بعد 6 أشهر من “تدابير 25 جويلية” .. تونس في مواجهة “مأزق الداخل” و “حصار الخارج”
منذر بالضيافي
كيف هي “الحالة التونسية”، بعد 6 أشهر من اعلان الرئيس قيس سعيد على “التدابير الاستثنائية”، في 25 جويلية 2021، التي أدخلت تونس في مسار سياسي جديد، أنهى مسار الانتقال الديمقراطي التقليدي، ومثل قطيعة مع كامل المرحلة السياسية السابقة، التي جاءت بها ثورة 14 جانفي 2011 ، وأعاد السلطة بل كل السلطات مرة أخرى – مثلما كان وأكثر قبل الثورة – بيد شخص واحد؟
قبل 25 جويلية الفارط، دخل مسار الانتقال الديمقراطي حالة من العطالة أثرت سلبيا على ادارة الدولة، فهو مسار بلا منجز اقتصادي واجتماعي، مع شيوع مظاهر “الفساد”، زادت المعالجة المتعثرة لوباء الكوفيد 19 في تعميق جراحه ( أكثر من 25 ألف وفاة)، عوامل مثلت بيئة مناسبة أو “ذريعة سياسية” وراء ايقافه بقرار رئاسي، استنادا الى قراءة أعتبرت “موسعة” للفصل 80 من الدستور.
كل السلطات في قرطاج
لتدخل تونس في وضع جديد، تمثل في وضع كل السلطات بيد قصر قرطاج، تحرك وجد “ترحاب” في البداية، من قبل الداخل والخارج على حد السواء، لكن مع تقدم “المسار الجديد”، بدأت تبرز “تحفظات” كبيرة و جدية على ادارة البلاد وعلى مصير “الديمقراطية”، التي ما تزال برغم تعثرها، تحظى بمساندة دولية، وأيضا داخل النخب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
ولعل هذا ما يفسر، ربط العواصم المؤثرة والشريكة لتونس، كل مساعدة للاقتصاد المتعثر والمالية العمومية التي تواجه شبح الافلاس، بالعودة الى استئناف “المسار الدستوري التشاركي”، والذي استمر حتى بعد اعلان الرئيس سعيد، عن خارطة طريق سياسية، ستتوج في 25 جويلية من السنة الحالية، بتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة.
كما تصاعدت في الداخل، مظاهر الاحتجاج والرفض السياسي، معتبرة ما أقدم عليه الرئيس “انقلاب” على الدستور، ومدخل للتفرد بالسلطة، وتوظيف مقدرات الدولة و أجهزتها، لتنزيل “مشروعه السياسي” في الواقع.
تمدد الأزمة وتعقدها
تمر اليوم 6 اشهر، على ” واقعة 25 جويلية”، و 100 يوم على حكومة الرئيس قيس سعيد، الرئيس الذي يحكم البلاد منذ نصف سنة بمفرده، بعد اعلانه عن ” التدابير الاستثنائية “، التي جمدت صلاحيات البرلمان دون أن تحله، واعفت الحكومة الائتلافية برئاسة هشام المشيشي.
كما عطلت العمل بأبواب مهمة من دستور 2014 لصالح “دستور صغير” ( الامر الرئاسي بتاريخ 22 سبتمبر 2021)، في الاثناء فان السمة العامة للمشهد التونسي ، هي “تمدد وتعقد الازمة”، التي ترافقت مع تصدع في “البيت السياسي الرئاسي”.
بعد الاعلان المفاجئ عن استقالة “من الحجم الكبير” لنادية عكاشة، لا بوصفها مديرة الديوان الرئاسي فقط، بل لكونها تعتبر بمثابة “الصندوق الأسود” لأسرار الرئيس، استقالة أثارت أكثر من سؤال في مشهد سياسي “هش” و غير مستقر.
التي اعتبرها السفير الأمريكي السابق في تونس، غوردن غراي، ترتقي “إلى وجود تطور مهم في تونس”، وذلك في تغريدة مقتضبة جدا نشرها على صفحته الرسمية على تويتر مساء أمس الاثنين.
كما أرجعت تقارير وتسريبات اعلامية متطابقة خروج عكاشة من القصر ، الى وجود خلافات مع بقية مكونات دوائر الرئيس، وخاصة مع وزير الداخلية على خلفية “طموحات سياسية” وأيضا طريقة ادارة المؤسسة الأمنية، خاصة بعد إجبار عدد من كبار المسؤولين الأمنيين، على التقاعد.
يذكر أن مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة، اعلنت يوم الاثنين، عن تقديم استقالتها من منصبها إلى رئيس الجمهورية قيس سعيّد، بعد سنتين من العمل، وفق ما نشرته على صفحتها الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي فايسبوك.
وأرجعت عكاشة – في نص استقالة مثير للجدل – سبب استقالتها من منصبها الى وجود اختلافات جوهرية في وجهات النظر المتعلقة بالمصلحة الفضلى للوطن.. ورأت أنه من واجبها الانسحاب من منصبها كمديرة للديوان الرئاسي.
وشغلت عكاشة منصب مديرة الديوان الرئاسي للرئيس قيس سعيّد منذ 28 جانفي 2020. وكانت شغلت منذ أكتوبر 2019 خطة مستشارة أولى لدى رئيس الجمهورية مكلَّفة بالشؤون القانونية.
مناشدات الخارج .. وعجز معارضة الداخل
يعرف المشهد السياسي التونسي “حالة من الجمود”، من أبرز عناوينه تواصل تعمق الانهيار الاقتصادي، وغياب كل افق لحل سياسي ” تشاركي”، ينهي المرحلة الاستثنائية ويعيد المسار الطبيعي للحياة الدستورية، الذي تحول الى “مطلب خارجي” قبل الحاجة الملحة له داخليا، مثلما أكد على ذلك كل شركاء تونسيين، واخرهم الرئيس الفرنسي ماكرون الذي طالب قيس سعيد بعملية انتقالية شاملة “قدر الإمكان”.
اما من جهة القوى المعارضة لحكم الرئيس قيس سعيد، بقيادة حركة “النهضة” الاسلامية ( المتضرر الكبير من قرارات 25 جويلية وما بعدها) و بعض “الجبهات” المتحالفة معها، فقد صعدت من موقفها الرافض لما تعبره “انقلاب” الرئيس على المسار الديمقراطي والدستوري.
لكن “جبهة المعارضة”، لا تزعج كثيرا “قصر قرطاج”، فهي مشتتة ومنقسمة ولا تملك لا تصورات ولا ” مصداقية” لدى الشارع التونسي، فهي معزولة مجتمعيا وتحركاتها سواء الاحتجاجية ( مظاهرات، اعتصامات، اضرابات جوع …) او السياسية والحقوقية ما تزال دون رجع صدى لدى غالبية التونسيين.
فضلا على انها بلا خيال سياسي متفاعل مع الواقع التونسي ومع ما وصلت اليه الأوضاع بعد “عشرية الانتقال الديمقراطي” من حالة “فشل مركب”، اذ سقطت في اعادة انتاج نفس ” الاشكال “النضالية” السابقة لثورة 14 جانفي 2011، زمن حكم الرئيس الاسبق بن علي.
نفس المقولات ونفس الخطاب ونفس الوجوه وايضا نفس التحالفات ، حركة 18 اكتوبر جديدة تستنسخ ما حصل قبل الثورة، وتجمع تحالف بين جماعة الاسلام السياسي (حركة النهضة) مع مكونات يسارية وتقدمية و حقوقية.
وذلك دون ادراك لتبدل وتغير السياقات، فضلا على ان معارضتها للحكم الجديد ما يزال مداره الصراع حول السلطة، خصوصا وان كل التحركات المعارضة تمت تحت قيادة وتحشيد ” حركة النهضة” التي تحملها قطاعات واسعة من المجتمع وجل النخب المسؤولية السياسية – وحتى الأخلاقية – عن فشل عشرية الثورة.
الأزمة الاقتصادية .. خميرة الغضب
وبالتالي فان هذه المعارضة التي تتصدر الوقوف في وجه الرئيس قيس سعيد، التي تقودها الحركة الاسلامية، حتى وان تمت ب “وكلاء” او عبر ” تقية نضالية”، لكنها معلومة للجميع، تبين أنها عاجزة عن التحول الى معارضة مؤثرة ولها سند شعبي، برغم تواصل تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، التي اصبحت تهدد بمزيد اضعاف كيان الدولة، خصوصا في ظل العجز عن تجاوز الأزمة المالية، التي يتوقع أن تفاقم مظاهر الغضب، التي مثلت تاريخيا في تونس “خميرة” لتغيير الأوضاع السياسية.
وتجدر الاشارة، الى أن الاصرار على “المطلب التشاركي” في الداخل والخارج، لا يعني ابدا العودة اما قبل 25 جويلية 2021، بل أن المطلوب لا يتجاوز وجود اطار “شكلاني للديموقراطية” ( برلمان مع هامش من الحريات الفردية والجماعية …).
و لو تحقق هذا فانه سيساعد على فك “الحصار الدولي الصامت” حول تونس، وسيفتح باب حنفية المساعدات والقروض، وبالتالي فك “العزلة الدولية”، لكن الرئيس تبين انه غير مهتم كثيرا بالأولوية الاقتصادية، و بصدد الانصراف لفرض واقع جديد، يكون مقدمة لتنزيل مشروعه السياسي على الارض.
وبرز ذلك من خلال بعض التعيينات، ومن خلال ادارة الحكومة، وعبر التعاطي الامني مع المعارضين، كما استمر في ادارة الظهر للازمة الاقتصادية الغير مسبوقة، والتي نجم عنها قلق مجتمعي واسع، صحيح انه صامت لكنه مخيف، وقد يتحول في كل لحظة الى انفجار اجتماعي.
لا نبالغ انه قد يتحول في سياق الازمة الشاملة الى فوضى خصوصا في ظل ضعف الدولة وتصاعد الانقسام السياسي والاجتماعي مع تواصل وجود الخطر الأمني الذي يتربص بكامل المنطقة.
Comments