بعيدا عن “العبث السياسي” .. خارطة طريق لإنقاذ تونس
منذر بالضيافي
أتابع بالكثير من الحيرة، تعاطي الفاعلين السياسيين الرئيسيين، مع الأزمة الشاملة والغير مسبوقة التي تمر بها البلاد، والتي اصبحت تنذر بالذهاب نحو سيناريوهات مخيفة، حيث يستمر الجدل حول مسائل سياسية، يمكن في الواقع تأجيلها، خصوصا أمام وجود أولويات مصيرية وحياتية، تتعلق بصحة وحياة الناس، التي يجب أن تكون أولى الأولويات و أم المعارك، خصوصا بعد تصاعد عدد الوفايات ( قرابة 14 ألف مصرح بها رسميا)، وتمدد انتشار الوباء وتحول جهات بأكملها الى منكوبة.
لكن مع ذلك يستمر الجدل العقيم، حول ما يسمى بالإصلاحات السياسية، التي هي في الواقع “تخطيط” من هذا وذاك، لإعادة التموقع والانتشار في السلطة وفي مفاصل الدولة، في اطار صراع حول السلطة، وما في ذلك من ارادة لدى كل جهة في تجميع أكثر ما يمكن من السلطات ومركزتها بيده، بعيدا عن مشاغل التونسيين، وبعيدا عن التصور السليم للديمقراطية القائم، على التعددية وتوزيع السلطات والفصل بينها، والأهم على دولة القانون، من أجل تأمين تداول سلمي على السلطة.
وهذا الصراع المحموم حول السلطة طرفاه معلومان، وهما كل من رئيس الجمهورية قيس سعيد، الحالم بفسخ كل شيء وتنزيل “مشروعه الغامض”، أيا كانت التكاليف والتداعيات.
أما الطرف الثاني فهو راشد الغنوشي ( وجماعته )، الذي لا يريد مغادرة السلطة، بل أنه أصبح يحتمي بأجهزة الدولة، من أجل التمكين ل “مشروعه” هو أيضا ،ولمن حوله من المقربين في الجماعة وخارجها.
وهو لا يملك (الشيخ)، غير اختيار نهج الهروب للأمام، وحصر الممارسة السياسية في المناورات والمهم البقاء في الحكم، وفي هذا السياق تأتي التسريبات التي سبقت حوار صحفي متوقع ل “الشيخ”، تروج الى أنه سوف يقترح الذهاب نحو تشكيل حكومة سياسية، برئاسة رئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي .
فهل سيكون الرجل قادرا على قيادة حكومة سياسية في هذا المناخ السياسي المتوتر والمنقسم على نفسه وفي ظل رفض الرئيس سعيد له؟
أمام حالة العبث والعجز عن ادارة البلاد، نقول ونشدد بأنه لابد من عودة العقل، قبل ان تهرب الاوضاع من ايدي الجميع، وذلك عبر تحديد خارطة طريق عاجلة للإنقاذ الوطني، وترك الملف السياسي في الدرج، الى ما بعد تجاوز المخاطر التي تعصف بالبلاد وبالمواطنين. وبالنظر للمشهد المضطرب والمنذر بالانفجار، فان اولوية خارطة طريق لابد ان تركز على النقاط التالية:
دعم حكومة المشيشي بكفاءات وطنية، و تمكينها من الاشتغال بالمراسيم واقتصار دور البرلمان على الجانب الرقابي، وان يكون ملف العلاقات الخارجية والدبلوماسية بيدها، ويوكل لكفاءة وطنية لها اشعاع دولي، على ان تستمر الحكومة بتركيبتها وهيكلتها المعدلة على الاقل في حدود السنتين، يكون برنامجها كالتالي:
1/ مقاومة الوباء ، عبر وضع خطة شاملة، و التحرك دوليا لجلب للتسريع بجلب التلاقيح، ووضع خطة تحرك ميدانية وأخرى اتصالية، لمقاومة انتشار الوباء وحماية أرواح الناس، وبالتالي تحول الحرب على الوباء الى “أم المعارك”، بما يعني ذلك تسخير كل امكانيات البلاد لذلك.
2/ التحرك باتجاه المؤسسات المالية الدولية المانحة، وضبط خطة تفاوض ذكية ومقنعة، تمكن من التسريع بتجاوز العجز في المالية العمومية، واستعادة كسب الثقة مع هذه المؤسسات، وايضا مع الدول التي ستكون حينها مستعدة للتعامل مع الحكومة.
3/ وضع خطة ومنهجية عمل لتحريك الانتاج المعطل، وخاصة في القطاعات الحيوية، والتقليل من مضار القطاع الغير منظم، وادماجه تدريجيا في الاقتصاد المنظم، والحزم في متابعة التهريب وايضا التهرب الضريبي.
4/ اقناع الشركاء في المنظمات الوطنية، بضرورة الذهاب نحو هدنة اجتماعية، تكون مصاحبة بخطة تقشف في ادارة البلاد، وايضا بحملة اتصالية وطنية لدفع القطاع الخاص على المشاركة في مجهود الانقاذ الوطني.
وخلال المدة التي ستمنح لحكومة المشيشي، بعد ادخال التعديلات الضرورية والعاجلة عليها، والتي نقدر أنها لا يجب أن تتجاوز سنتين ويكون عملها وفق خارطة طريق واضحة وتحت مراقبة من البرلمان.
و يمكن للأحزاب والكتل البرلمانية ورئاسة الجمهورية والمنظمات الوطنية، تنظيم حوار وطني حول الاصلاحات السياسية و الدستورية، في ظرف سنتين تكون خلالها الحكومة قد وضعت البلاد على مسار الانقاذ، لتكون مهمتها التالية اعداد البلاد لانتخابات مبكرة رئاسية وتشريعية.
Comments