بعيدا عن ” سجن اللحظة السياسوية”: “شوية” تفكير استشرافي .. اي موقع لتونس في المستقبل ؟
منذر بالضيافي
يشهد العالم من حولنا تحولات جذرية وعميقة سترسم عالم جديد، فوباء الكورونا الذي ادخل الانسانية في دوامة وكلفها خسائر بشرية واقتصادية تفوق ما حصل في الحربين الكونيتين، وكذلك الحرب “الكونية الجديدة” الغير معلنة، في قلب أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، فضلا عن الأزمة الاقتصادية التي أدخلت العالم في حالة ركود ستشتد بداية من السنة الجديدة ( 2023 ) دون أن ننسى طبعا الفشل في التعاطي مع أزمة المناخ والتحولات المناخية، التي ستكون منطقتنا المغاربية من أبرز ضحاياها، وهذا ما بدأنا نعيشه فعلا جراء انحباس الأمطار وتراجع المخزونات المائية.
تحولات ستكون ينسق سريع جدا – في زمن عصر الشبكة/ الانترنت – و ستكون لها تداعيات على اعادة تشكيل الخارطة الجيو بوليتيكة العالمية، باتجاه عالم أكثر قبولا بتعدد الأقطاب، لكن ذلك لا يعني التسرع بالقول بنهاية “الهيمنة” الغربية خاصة الأمريكية، كما ستشمل التحولات “الحقل السياسي” في اتجاه مزيد تراجع الأحزاب السياسية لصالح الحركات الاجتماعية.
تشير جل مراكز البحث والدوريات المختصة، الى ان العالم مقبل بداية من السنة الجديدة ( 2023)، على تحولات سريعة وقد تكون ايضا بداية قطيعة مع اشكال ادارة العالم منذ الحرب العالمية الثانية .
سواء من جهة هيمنة نمط الانتاج الحر ، الذي عوضت فيه الشركات الكبرى الدور التعديلي للدولة التي كانت تحكمها احزاب يمين الوسط، ذات الاهتمام بالبعد الاجتماعي. ولا تستبعد هذه التقارير حصول انعطافة نحو اليسار، وقد بدأت هذه الانعطافة مع صعود احزاب ” يسار الوسط” في دول مجموعة السبعة.
وربما ستسرع مرحلة ما بعد وباء الكوفيد ، والحرب الروسية الاوكرانية ، وفشل الدول الكبرى في معالجة ملف المناخ، و حالة الركود الاقتصادي الكونية الثانية، المصاحبة بارتفاع معدلات التضخم واسعار الطاقة، في تسريع وتيرة التحولات عبر اتجاه العالم “يسارا”.
ستسرع مرحلة ما بعد وباء الكوفيد ، والحرب الروسية الاوكرانية ، وفشل الدول الكبرى في معالجة ملف المناخ، و حالة الركود الاقتصادي الكونية الثانية، المصاحبة بارتفاع معدلات التضخم واسعار الطاقة، في وتيرة التحولات عبر اتجاه العالم “يسارا”
حكمت الديموقراطية الغربية منذ الحرب الكونية الثانية وما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي خاصة عبر “الاحزاب” التي بدأت تعرف بدورها حالة من التراجع والضمور في صياغة وتوجيه الراي العام.
في الستينيات القرن الماضي كانت الأحزاب في أوروبا عبارة عن حركات جماهيرية تضم ملايين الأعضاء، لكنها لم تعد كذلك بعد الآن.
وقد أصبحت الأحزاب تمثّل مجموعات ذات مصالح ضيقة، أو في بعض الحالات، مجموعات من الأنانيين المصابين بجنون العظمة بدلا من الحركات الاجتماعية ذات القاعدة العريضة.
نحن – للأسف- نجد انفسنا خارج مجال هذه التحولات الجارية بنسق سريع وربما راديكالي، نحن خارج التاريخ وخارج الجيو بوليتيك الدولي الجاري.
كما أننا خارج ما يمكن ان نطلق عليه ” الانقلاب الرقمي” le coup d’état numérique ، الذي سيميز عالم ما بعد الكورونا، وستكون ضحية هذا ” الانقلاب العالمي” دول العالم الثالث وما تحت الثالث ، ومنها – للاسف – بلادنا تونس، التي تراجعت خلال السنوات الاخيرة ، سنوات طويلة للوراء، ولن يكون بمقدورها مسايرة نسق تطور العالم الجديد ولا اللحاق به، وهذه حقيقية موضوعية لكنها مؤلمة، لن تكون بلاد قرطاج – وهي على ما هية عليه – قادرة على مسايرة نسق هذا العالم الجديد و الذي هو في طور التشكل و الذي بدأت تبرز للعيان علاماته.
كما ان هناك ايضا تحولات جيو بوليتيكية جارية وبسرعة، سترسم هي ايضا نظام اقليمي وعالمي جديد، وللاسف مرة اخرى نجد ان بلادنا تونس لا مكان لها في ما هو بصدد التخطيط له، وهي المثقلة بهمومها وازمتها المركبة والمعقدة ، والتي لا تملك تصور للمستقبل، دولة معطلة و مجتمع منقسم على نفسه.
بلادنا تونس، التي تراجعت خلال السنوات الاخيرة ، سنوات طويلة للوراء، لن يكون بمقدورها مسايرة نسق تطور العالم الجديد ولا اللحاق به، وهذه حقيقية موضوعية لكنها مؤلمة، لن يكون بمقدورها مسايرة هذا العالم الجديد و الذي هو في طور التشكل و الذي بدأت تبرز للعيان علاماته
تجري هذه التحولات بسرعة فارقة وستكون تونس في وضعها الحالي ، غير قادرة على مسايرتها والتكيف معها، و في “غفلة” من “حكامنا الجدد” ، الذين تعوزهم الكفاءة والتجربة والبرنامج و لا يملكون ” عقل سياسي” قادر على فهم التحولات التكنولوجية ( ثورة الديجيتال) و الاستراتيجية الجارية.
وهم الذين عجزوا عن ادارة الشان الداخلي، بما فيه من “أزمات صغيرة”، في الاصل مقدور عليها ، ويمكن التغلب عليها بل ممكن ايضا تحويلها الى “فرصة “.
في المحصلة، و مما تقدم فان القادم سيكون مخيفا وكارثيا، فالمقدمات لها نتائج ، كما هو معلوم، و ترجيحاتي لحصول مثل هذا السيناريو ( مراكمة الفشل والتخلف)، هي نتاج قراءة موضوعية للحوكمة التي تدار بها البلاد اليوم، والتي حولت تونس من بلد مرشح ليكون مثالا للرقي و التقدم الى آثار هامدة، و من بلد صاعد انتقلنا الى دولة على طريق ان تصبح ” فاشلة”، ونأمل ان يتم تدارك ذلك.
Comments