بمناسبة العودة الجامعية: الحركة الطلّابية .. طاقة نضاليّة لا تنضب!
أماني ساسي*
لم تكن الحركة الطلّابية في تونس، طيلة تاريخها بمعزل عن الأحداث المهمّة التي عاشتها البلاد، فتأثرت بها وأثّرت فيها، فقد قارعت الاستبداد مع من قارعه، ونالت نصيبها من التنكيل والعقاب مع من عوقب ،ثم كانت لاحقا نموذجا حيا للحراك المجتمعي والسياسي، وتفاعلت أيضا مع الوضع الجديد الذي أفرزته أحداث 14 جانفي 2014.
اليوم، ها نحن الآن وهنا نجد أنفسنا محمّلين بأزمات وليدة لا حصر لها لدرجة أننا نقف مشدوهين ولا نعرف باب الخروج مما الت اليه الأوضاع. وإذا كان لابدّ من اختراق هذه المرحلة العصيبة رغم اختلاف الرأي و التقديرات و القراءات السياسية للوضع في البلاد، فإن هذا الاختراق لابدّ أن يمرّ من بوّابة واحدة، هي بوّابة النضال الديمقراطي في معناه الشمولي الواسع.
نضال دؤوب هادف، يتّخذ أبعادا سياسيّة و اقتصادية و اجتماعية و ثقافية، في أفق تحريك مجموع الشعب قصد إشعاره بضرورة تحمّل مسؤولياته في هذه المرحلة العصيبة من أجل تغيير ميزان القوى لصالحه.
ولمّا اتّضح أن النظام السياسي و الاقتصادي القائم لا يمكن ابدا أن يقدّم التنازلات إلا بالنضال و الاحتجاج، وإن قدمت التنازلات فهي ظرفية و مؤقتة، لكنها حتما ستكون مفيدة لحركة النضال الجماهيري و للاتحادات الشبابية والطلابية والنقابات العمّالية.
كان – ولا يزال – للحركة الطلابية باعها الطويل في إنتاج الصيغ و الشعارات والمطالب، فهي على الدوام قوّة عطاء و نضالات، وارتباط مبدئي وثيق بمصالح الطلاب المادية و المعنوية . وتنظيمها في اتحاد قويّ وصلب يضمن لكل الجماهير الطلابية الحق في تسيير وتأطير التحرّكات، لإحباط مشروع القضاء على الجامعة العمومية و تحصينها من الزحف الليبرالي الظلامي المتآمر .
ضمن هذا الأفق النضالي والاحتجاجي الشبابي توالدت النقاشات و التقييمات الساخنة، حتى داخل السجون و المعتقلات ،ولا يزال “رجيم معتوق” شاهدا على ذلك ….وكانت كلها مؤشرات صادقة في ظل غياب التربية التنظيمية وامام كل ما يعتريها من اخطاء و هانات وزلّات وحماس ميداني لابد منه.
وهي وإن دلّت على شيء فهي تدل على ثراء هذه التجربة النضالية الفريدة التي لا تضاهيها أخرى في ميدان التأطير الطلابي، بتضحياته وقيم النقاش الديمقراطي والرفاقي فيه، بمعاركه سواء ضد القوى الظلامية أو ضد سياسة النظام بأجهزته القمعية.
فهي تجربة لا تضاهيها تجربة أخرى في ما قدمت للبلاد عموما، لذلك نود أن تكون القراءة النقدية لهذه الملحمة مفتاح لتقديم نقد ذاتي موضوعي ومنصف لتجربة الحركة الطلّابية وتجربة النهج الديمقراطي، تقييم لابد أن يكون مدعوما بالوثائق التاريخية والشهادات المسؤولة، وللأسف فالأدبيات البحثيّة المتعلقة بهذا الحقل قليلة، ولم تشكّل بعد مدار بحث كاف، في أوساط الفاعلين والمناضلين والمثقفين، و الدوائر الأكاديمية بشكل يمكننا من تحسين الأداء والتخطيط للمستقبل، وفق منهجية علمية واستشرافية.
*الأمين العام للإتحاد العام لطلبة تونس
Comments