الجديد

 بوتفليقة يُطلق مسار الانتقال الديمقراطي .. الآمال الحذرة

المهدي عبد الجواد
يقول المثل الفرنسي ” أن يأتي متأخرا، أفضل من ان لا يأتي ابدا”، ينطبق هذا المثل على الحالة الجزائرية، فبعد مخاض دام سنوات، وسط مخاوف من يطال “الربيع العربي” بنتائجه الكارثية الجزائر، ووسط شائعات حول استهدافها بمؤامرات اقليمية و دولية مختلفة، و في اجواء من التوتر السياسي و تواتر الاحتجاجات الشعبية و المهنية التي تتعاظم يوما بعد يوما و تتخذ نسقا تصاعديا، ها ان الرئيس بوتفليقة يُعلن عن “مهمته الاخيرة”، مهمة الجندي الذي وهب نفسه و شبابه و حتى شيخوخته لخدمة الجزائر. يُعلن انطلاق مسار التجديد و الاصلاح الديمقراطي في الجزائر.
و تستوعب رسالة بوتفليقة، الكثير من مطالب النخب السياسية و الديمقراطية في الجزائر، من تحوير الدستور بما يضمن للجزائر الدخول في عصر الجمهورية الثانية، جمهورية ديمقراطية تدعل من الجزائر دولة مدنية عصرية تكرس حقوق الانسان و الحريات العامة و الخاصة، و تحترم الخصوصيات اللغوية و الاثنية و حرية الضمير و المعتقد. دولة مدنية تحترم صوت مواطنيها و حقهم في المشاركة الحرة في الانتخابات و حماية اصواتهم و اختياراتهم، و هو ما سيتكرس – حسب الرسالة – في تشكيل هيئة مستقلة للانتخابات تُعنى بكل ما يتعلق بالانتخابات بعيدا على “وزارة الداخلية”.
كما تعهد بوتفليقة، بعدم الترشّح، و فسح المجال امام ندوة وطنية سياسية”، تُشارك فيها كل الاحزاب و التيارات و العائلات الفكرية الجزائرية دون اقصاء، تكون مُخرجاتها الارضية الدستورية و السياسية للجزائر الجديدة. و في ثنايا الرسالة يُمكن ان نلتقط اشارات اخرى كثيرة، تتعلق بمحاربة الفساد و محاسبة الفاسدين، لعل في ذلك اشارة بعض شعارات المظاهرات، و الى ما يروج في الجزائر، و لدى بعض الدوائر الخارجية المهتمة بالوضع الداخلي للجزائر، من هيمنة “مافيات” متعددة و لوبيات متنفذة في عالم المال و الاعمال، لم يسلم منها حتى كبار ثادة الجيش الشعبي الجزائري.
رسالة بوتفليقة اشتملت على إشارتين مهمتين واضحتين: أولهما تذكير الرئيس بأنه جندي جزائري بصدد انجاز مهمته الأخيرة، و لا اعتقد أن ذلك ورد عبثا، إذ ان بوتفليقة نجح في كل مهماته الوطنية و لن يرضى بغير النجاح في هذه المهة، لعل في ذلك طمأنة للجزائريين بكون ما يُقدم عليه و ما يعد به، ليس من باب المناورات بقدر ما هو عهد “المجاهد الأخير”، ثاني الإشارات هو تذكيره أكثر من مرة بكون استمع جيدا لصوت الشارع، و أنصت جيدا لمطالب الجزائريين، و ان ما يقوم به، هو استجابة لذلك.
من داخل النظام يتم إعادة ترتيب السلطة، و صياغة أسس النظام الديمقراطي، تجربة سليمة،  لانها تحمي استقرار الدولة الجزائرية و تحمي السلم الأهلي الجزائري، و تجعل “كيد المتربصين بالجزائر في نحورهم”.
من المؤكد ان ما قام به الرئيس تم بعلم و بموافقة الجيش الجزائري، اللاعب الرئيس في الجزائر، لأن حماية البلاد و الشعب، هي من أوكد مهام الجيش مثلما أكد ذلك قائد صالح، في ظهوره الاعلامي المتكرر في الايام الاخيرة، بل يبدو ان قائد أركان الجيش، قد هيّأ ضباط الجيش لهذه المرحلة الجديدة، و هو الذي تنقل المدة الاخيرة الى كل النواحي، و التقى بمختلف التشكيلات العسكرية.
ان المتتبع لرسالة بوتفليقة، خاصة من التونسيين، يُلاحظ بكل يُسر التشابه الكبير بينها و بين خطاب بن علي الاخير، التعهد بعدم الترشح، تشكيل حكومة جديدة، اصلاح الدستور، اطلاق الحريات، المحاسبة لكل الفاسدين، تشكيل هيئة مستقلة للانتخابات…. جميعها نقاط تشابه، و لكن التشابه الكبير يكمن في التوقيت، فقد كان خطاب بن علي متأخرا جدا، و تنمنى ان لا يكون خطاب بوتفليقة متأخرا، خاصة و ان اصواتا كثيرة رفضته، و اعتبرت انه “التفاف” على مطالب الاصلاح.
ان الكثير من الشباب المُشارك في “الحراك” لم يعش، العشرية السوداء في الجزائر، لذلك يبدو حماسه في مطالبه مفرطا، و رفضه “للنخبة القديمة” حادا، و من ثمة تمسّكه برحيل كامل للنظام. بل ان الكثير من النخب القديمة تنظر بريبة و حذر الى رسالة الرئيس و تعهداتهن اذ غاب فيها رئيسيا، تحديد سقف زمني للاصلاح، مثل تحديد آليات اختيار المشاركين في الندوة الوطنية، و تحديد جدول لاشغالها، و تحديد تاريخ للاتنخابات، و آليات الاصلاح و شروطه. كان يُمكن ان يكون بوتفليقة الآن زعيما مجمعا عليهن لو كان قد شرع في هذه الاصلاحات منذ بداية عهدته الرابعة، لكن الشيخوخة و المرض، و حجم التحديات و الصراعات الداخلية في الجزائرن جعلته يُؤجّل او يعجز عن المهمة، لكنه اطلقها اليوم.
لن يكون الامر سهلا، إذ ان المشككين في نوايا الاصلاح كُثُرُ، بعضهم داخل الجزائر و أغلبهم خارجها، اقليميا و دوليا، و لكنها في كل الحالات ستكون تجربة ذات خصوصية محلية/ جزائرية، مثلما هو حال تاريخ الجزائر، الأقرب أنها ستكون ثورة، لكنها هادئة ، بلا ضجيج ما عرف ب “ثورات الربيع العربي”.
 
 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP