بورتريه/ المنذر الزنايدي: "وزير الشعب" .. أى دور في المستقبل ؟
هشام الحاجي
اذا كان قدماء العرب قد اعتبروا ان “الكلام عن الكلام صعب”، فان المتابعين للمشهد السياسي، زمن التحولات و الاضطرابات، و الازمات يتأكدون يوميا ان التطرق بالحديث عن الفاعلين في المشهد السياسي هو الصعوبة ذاتها .
فالمعايير متداخلة و المشهد لم يستقر بل هو في حالة غليان متواصل و ” الهشاشة ” الطاغية على المؤسسات السياسية تجعل من “تصيد” السلبيات “رياضة وطنية ” يساهم فيها الجميع خاصة و ان المردودية الانية لهذه “الرياضة الوطنية ” تفوق بما لا يقاس تلك التي تتأتى من التقييم الموضوعي و الرصين
لما يتمكن رجل سياسة و ادارة شأن عام من “تقلبات بورصة التقييم الاني و الانفعالي” فهذا في حد ذاته شهادة على انه يتوفر على خصال لا يمتلكها اغلب الفاعلين في المشهد . و هذا ما ينطبق على المنذر الزنايدي الذي لا يرتبط الحديث عنه الا بالثناء على خصاله و على كفاءته .
و حين ننزل هذا الثناء في سياقه “الثوري” تبرز بعض دلالاته ، ذلك ان المنذر الزنايدي هو بالأساس من كفاءات النظام السابق الذي اسقطته “الثورة “، و هو ما يعني انه يعتبر من الناحية النظرية هدفا من الاهداف المثلى للانتقاد و “الاستهداف”، خاصة و ان الرجل قد تولى الاشراف على وزارات على تواصل مباشر مع المواطن علاوة على ما يرتبط بها من رهانات مالية و اقتصادية و سياسية و يكفي ان نشير هنا الى وزارتى الصحة و التجارة .
جمع اصيل مدينة سبيبة من ولاية القصرين في ادارة هذه الوزارات بين الحرص على الانصات المتواصل للمواطن و الدراسة المتأنية للملفات و متابعة انجاز المشاريع و التمسك باحترام القانون و تحفيز اعوان الوزارات التي أشرف عليها و اطاراتها حتى تساهم من موقعها في ضمان حسن مردودية المرفق العمومي .
يستحضر الذين عاصروا المنذر الزنايدي انه كان حريصا على الالتحاق مبكرا بمكتبه حتى يكون في مستطاعه استقبال اكبر عدد من المواطنين و حل مشاكلهم بشكل فوري و حتى يخصص الوقت الكافي لدراسة الملفات و الحسم فيها هذا دون التخلي عن اسلوب “القيادة المرنة” للعنصر البشري في ظل احترام متأصل للتونسي و التونسية بعيدا عن الفوارق المصطنعة التي ترتبط بالانتماء الاجتماعي او الجهوي .
و لا يمكن ان لا يكون لعامل التربية دوره في بناء هذا الاسلوب و الرؤية عند المنذر الزنايدي . فقد كان والده احد اول المهندسين التونسيين الذين حملوا العبء بعد الحصول على الاستقلال للمساهمة من موقع متقدم في بناء تونس و تعميرها في حين كانت والدته من نساء التربية و التعليم التي يشهد كل من تتلمذ على يديها انها كانت تجمع بين الكفاءة و الصرامة الاخلاقية و انها كانت حريصة على ان تعلم الاطفال و تربيهم .
و حتى حين تراس منذر الزنايدي جمعية الترجي الرياضي التونسي فانه كان من ابعد المسيرين الرياضيين على تجنب كل سلوك من شانه ان يوتر العلاقات بين ابناء الشعب التونسي . و هذه السمات الشخصية التي تجسدت في اسلوب متميز في حوكمة الوزارات هي التي جعلت المنذر الزنايدي “الاستثناء الوحيد” في رموز مرحلة حكم الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي من حيث تجنب الملاحقة القضائية او التعرض بالنقد و التشهير في الاعلام و الفضاءات السياسية .
و لا شك ان الحديث عن المنذر الزنايدي لا يستمد وجاهته الا حين ندرجه في سياق الحاضر و المستقبل , فاذا كان الرجل قد استطاع ان يتجاوز فترة الاضطرابات و التقلبات بأخف الاضرار الممكنة و تجنب خاصة تلبية دعوات “ملغومة ” ليكون طرفا في خلافات حركة “نداء تونس” التي لا تنتهي فانه مدعو بكل تأكيد للحسم مع التردد و لتحويل رصيده الذي يلخصه البعض حين يصفوه “بوزير الشعب ” من قدرة على ادارة الموارد البشرية الى تمكن من تحريك الحلم بغد افضل لأوسع قطاعات الشعب التونسي و هو ما يعني الانخراط في الفعل السياسي من الباب الواسع انخراطا لا يضع المواعيد الانتخابية هدفا في حد ذاته بل من باب تكريس ما اكده ماكس فيبر من ان رجل السياسة الجدير بهذه التسمية هو الذي يعيش من اجل السياسة و لا يتعيش منها.
Comments