بورتريه: الهاروني .. مهندس شورى النهضة
خديجة زروق
احتل عبد الكريم الهاروني، واجهة المشهد السياسي في تونس في الايام الاخيرة. و صار مطلوبا اكثر من غيره من قيادات النهضة. تصريحاته ينتظرها المتابعون للشأن السياسي، كلماته بميزان، حركاته بمقدار.
عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس شورى النهضة، أعلى هيئة سياسية في الحركة و أضخمها عددا، و هي الحديقة الخلفية التي تتم فيها هندسة سياسات الحركة، و سياسات البلاد، نظرا لحجم النهضة السياسي و البرلماني.
نجح الهاروني منذ سنة 2016، تاريخ اعتلائه هذا المنصب في المحافظة على وحدة مجلس الشورى، و نجح في ادارة الخلافات فيه، و في تخفيف شدة الخصومات و حافظ من خلاله على تجانس الموقف الرسمي للنهضة، رغم “صراعات” الشقوق و التيارات و الزعامات.
الهاروني…. الطالب الزعيم
احتل الهاروني منذ شبابه، مرتبة رفيعة في طلبة الاتجاه الاسلامي بالجامعة، و ظهرت قدراته القيادية مبكرا. و مبكرا ايضا عرف هذا الطالب الشاب، أصيل منطقة المرسى، الضاحية الراقية لتونس العاصمة، و الذي زاول تعليمه الثانوي، في معهد قرطاج الرئاسة حيث لم يكن يفصله على قصر الزعيم بورقيبة غير جدار. جدار تحول الى جدران و زنازين و احكام.
رغم تكوينه العلمي (المدرسة القومية للمهندسين)، فقد كان الهاروني وراء “اسبوع الجامعة” منتصف الثمانينات، و هي تظاهرة فنية ثقافية فتحت الجامعة على محيطها الوطني. ثم كان محددا في تأسيس “تحالف الوحدة النقابية” التي انبثق عليها “الاتحاد العام التونسي للطلبة” و الذي انتخب امينا عاما له في مؤتمره الاول و الثاني الى حدود 1989، حيث خلفه القيادي عبد اللطيف المكي.
المحنة…. أقل من الاعدام و أقسى من السجن
عرف الهاروني مثل غيره من قيادات حركة النهضة تجربة السجن. تجربة قاسية و محنة مُدمّرة، أحسن توصيفها قائلا: “أقل من الاعدام و اقسى من السجن”، 17 سنة سجنا منها 15 من السنين الطوال من الحبس الانفرادي و سوء المعاملة و التعذيب البدني و النفسي، غالبها بصبر فريد وعجيب.
وواجه الآلة الرهيبة باضرابات جوع تاريخية، كان احدها طيلة 50 يوما فرض فيه في سجن صفاقس تحسين ظروف اعتقاله، و سُمح له بالجرائد و تلفزة و كان مقدمة لإلغاء الحبس الانفرادي سنة 2005.
الهاروني…. بعد الثورة
صار الهاروني بعد الثورة وزيرا للنقل، ثم رئيسا لشورى حركة النهضة. تعلم من سجنه كثيرا، و صارت الحرية عنده مبدأ ايمانيا. يُكرر ” الحرية للجميع دون استثناء ولا إقصاء، وسأواصل النضال بإذن الله من أجل أن أعيش حرا في شعب حر، في بلد حر، في أمّة حرة، في عالم حر ما استطعت لذلك سبيلا، ولا يردني عن ذلك عائق ولا حاجز مهما طال الزمن والله ولي التوفيق”.
كما كان يقول “لا شك أنه في كل عمل بشري هناك نقائص تحتاج إلى التدارك والتصحيح، وسأجتهد في دراسة التجربة الماضية، بما يساعد على أن يكون المستقبل مستفيدا من الماضي”.
لقد نجح الغنوشي في جعل الهاروني الزعيم الطلابي الحالم، و “الثوري” ناطقا باسم المؤسسة الاهم، و هو ما طور ملكات التفاوض و التوافق و “الاعتدال في صرامة ” في شخص الهاروني.
مشاورات وجدل تشكيل حكومة الفخفاخ كشف عن توفق حركة النهضة، في اختيار الهاروني رئيسا لأهم جهاز أو مؤسسة لها ، لما له من ثقل نضالي و وضوح سياسي فيه الكثير من النضج و الصرامة والمبدئية.
فهل نجح المهندس في هندسة مرحلة مهمة و تاريخية من تاريخ النهضة و تاريخ تونس وما هو موقعه القادم في الحركة وخارجها؟.
Comments