بورتريه/ عبد اللطيف المكي من سجن التنظيم إلى أفق الدولة
خديجة زروق
إكتشف الرأي العام الوطني، في معركة التصدي لوباء الكورونا، جوانب كانت خافية عنهم في شخصية وزير الصحة عبد اللطيف المكي. أظهر الوزير قدرة لافتة في إدارة فريق العمل داخل الوزارة للتصدي للوباء، مع المام بالملف في أدق جزئياته، إلى جانب تمكن وبراعة في مخاطبة الرأي العام ، بأسلوب يعتمد الصراحة دون الوقوع في مربع إثارة الهلع و المخاوف.
و بالعودة إلى مسيرة عبد اللطيف المكي السياسية، يمكن القول أن بروز هذه الصفات القيادية، التي بدأت منذ المرحلة الطلابية وهو الذي شغل منصب الأمين العام للاتحاد العام التونسي للطلبة، نجدها قد تأخرت نسبيا بعد الثورة.
ذلك أن عبد اللطيف المكي قد عرف خلال دراسته الجامعية بقدرة على التنظيم، إلى جانب شغف بالاطلاع على آخر الإصدارات في مجال الفكر و السياسة، و بمتابعة الحراك السياسي والاجتماعي في البلاد.
قد تكون مستجدات ما بعد 14 جانفي 2011 و ما رافق تجربة حكومة الترويكا، التي كان عبد اللطيف المكي أحد أبرز رموزها، قد حالت دون التقييم الموضوعي لحصيلة التجربة الأولى، لمرور عبد اللطيف المكي على رأس وزارة الصحة، و هي حصيلة إيجابية في مجملها ، حسب شهادات منافسين سياسيين للوزير ، كسنية بن الشيخ التي أشادت بطريقة عبد اللطيف المكي في التسيير.
انخراط عبد اللطيف المكي إثر نهاية تجربة الترويكا ، في الشأن الداخلي لحركة النهضة ، الذي ابعده إلى حد كبير عن إهتمام الرأي العام ، خاصة و أن تفاصيل الصراع داخل الحركة، لا تعني الكثيرين و لا يدركون جزئياتها، و هو ما جعل الكثيرين يحشرونه في زاوية الجناح المتصلب، و هو ما يعتبره المقربون من عبد اللطيف المكي مجانبا للصواب، لانه حسب تاكيداتهم لا يطلب إلا الوضوح و لا يرفض إلا التوافقات المغشوشة.
و يستدلون بما قام به لما تولى في نهاية 2011 الإشراف على وزارة الصحة إذ ابقى على كل الإطارات التي عملت مع النظام السابق و لم تتورط في ما يمثل مخالفة للقانون.
عبد اللطيف المكي أتت به إلى حكومة الفخفاخ بعض الحسابات المعقدة لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، الذي أراد إبعاده عن التفاصيل اليومية للحركة ،و لكن أداءه اللافت لحد الآن ، يدل على أن هذا الاستبعاد لم يقرأ حسابا لايجابيات تحرير عبد اللطيف المكي.
تحريره من سجن التنظيم ، بما فيه من انغماس في جزئيات مرهقة إلى أفق الدولة الرحب، و المنفتح على مجالات أوسع بما في ذلك لعب دور في نحت ملامح الهوية الجديدة لحركة النهضة، كفضاء يجمع معتنقي فكر محافظ اجتماعيا ، و متجذر في الإنتماء الوطني ايديولوجيا، و هو ما يعني ” التونسة ” التي طال انتظارها لحركة النهضة.
Comments