بورتريه/ محسن مرزوق: من "النجومية السياسية" الى القبول "بالأمر الواقع" !
منذر بالضيافي
قبل سنتين، كتبت بورتريه، حول محسن مرزوق، الأمين العام الحالي، لحركة “مشروع تونس” تحت عنوان “محسن مرزوق .. الحالم بمشروع سياسي جديد لتونس.. الحدود والإمكانيات”.
بعد سنتين، من تتبع المسار السياسي للرجل، من الخروج من القصر الرئاسي، الى تولي منصب الأمانة العام لحركة “نداء تونس” الى الخروج وتأسيس حركة “مشروع تونس”، لا أبالغ بالقول بأن الرجل وبحساب “النتائج”، وهو المعيار الأساسي في الحساب والتقييم السياسي، قد تراجع بل أنه على حافة “الفشل”.
فحزبه، وان كان يشارك في الائتلاف الحكومي الحالي، الا أنه من موقع “الضعيف” لا “المؤثر” أو “الوازن”، كما أن انتشاره في المجتمع لا يكاد “يحسب له حساب”، ونتائج الانتخابات البلدية الأخيرة، ماي 2018 خير دليل على ما نقول.
هذا فضلا عن كونه أصبح في موقع “التابع” لا “المبادر” في المشهد السياسي، الى حد “استعطاف” التحالف مع حزب الجديد، حزب رئيس الحكومة يوسف الشاهد، حركة “تحيا تونس”، وهو الذي دعا رئيس البلاد الباجي قايد السبسي الى التحالف معه، وفي ذلك قبول – حتى لا نقول استسلام – بالواقع السياسي الجديد وبالتوازنات السياسية الجديدة.
قبل سنتين كتبت بورتريه، حول محسن مرزوق، أردته حينها أن يكون “تعبيرا مني عن انتصار لجيل كامل، عايشته في ساحات الجامعة التونسية، وليس انتصارا لشخص”.
يومها، انطلقت من كون محسن مرزوق، يعد من بين الوجوه الجديدة الوافدة على الحياة السياسية ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، فهو قادم من جيل الحركة الطلابية، في فترة الثمانينات والتسعينات، حقبة مهمة تمرس خلالها على العمل السياسي والنقابي أيضا، وان كان خلالها محسوبا أو مصنفا ايديولوجيا على اليسار الجامعي، تحديدا “الوطنيون الديمقراطيون بالجامعة” (وطج)، فان بوادر التحرر من “سجن الايديولوجيا” كانت حاضرة وبقوة في خطابه الطلابي و برزت أكثر في الحقل السياسي الوطني، خاصة بعد ثورة 14 جانفي 2011.
سواء في تجربته داخل “نداء تونس” أو مع الحزب الذي أسسه بنفسه “حركة مشروع تونس”، لكن مع ذلك حافظ على “خصوصيته” ونعني هنا تحديدا في علاقة بتيار الاسلام السياسي، فالبراغماتية لم تمنعه من ابراز موقف معارضة للأحزاب التي توظف الدين في السياسة، لكن هذا لم يمنعه من “التحالف” مع حزب اسلامي، خلال وجوده في حزب “نداء تونس”، بزعامة الباجي قايد السبسي، تحالف تنكر له بعد “الانتصاب لحسابه الخاص”، من خلال تأسيس حركة “مشروع تونس”، ليعود ودون سابق استئذان او “مراجعات” معلنة، للتحالف مع “النهضة” الاسلامية”، وهذه المرة باسم الحزب الذي يقوده (مشروع تونس)، قبل 8 أشهر من الاستحقاق الانتخابي القادم، نهاية السنة الجارية.
قبل سنتين، كنت أقدر أن الرجل، قد غادر سجن الأيديولوجيا نحو تعاطي مع السياسة بوصفها “فن الممكن”، وهو ما يفترض التسلّح بالمناورة والبراغماتية وحسن قراءة التحولات وموازين القوى على الأرض. وأنه سيكون الرقم الأساسي في مشهد “فارغ” في العائلة السياسية الديمقراطية و الوسطية.
نعم، نجح في تكوين حزب ( مشروع تونس ) كنت – كما غيري – نتصور أن له كل إمكانات التطور، لو قطع نهائيا مع سلبيات “نداء تونس”، وخاصة غياب التسيير الديمقراطي وهيمنة الزعيم أو صاحب “الباتيندة”.
لكن، والان وهنا، نقول أن هذا لم يحصل، ليبقى “مشروع تونس”، بعد أكثر من سنتين مجرد “شق من شقوق النداء”، باعتراف صاحب “الباتيندة” نفسه.
لم يستطع حزب حركة “مشروع تونس” التموقع كبديل، وكتنظيم يعيد التوازن للمشهد السياسي، برغم توفر الإمكانيات البشرية، وفرصة في الواقع، عجز عن تشكيل هوية سياسية تقطع مع الهوية السياسية لنداء تونس، ولعل هذا ما يفسر غياب الحزب في جل عمليات سبر الآراء، وفي الاستحقاقات الانتخابية، ليبقى “حزب الوعيم”.
لا خلاف بين كل المتابعين للمشهد السياسي على أن لمحسن مرزوق “موهبة سياسية” لافتة، يقر بها خصومه قبل أنصاره، وقد كان من “المتوقع”، ان تفرض له أو تمكنه من “تموقع” رئيسي في مشهد سياسي “فارغ”، لكنه فشل في إبراز “دينامية” و “لوك” جديدين، غير متعارف عليهما في الساحة السياسية، التي ما تزال تخضع لهيمنة “الشيوخ”، بمعنى تهرم كبير في قادة الأحزاب وفي الناشطين السياسيين.
كما أنه لم يوفق في تقديم نفسه كحارس و”حامي” للمشروع الوطني العصري أو النمط المجتمعي التونسي، الذي يري أنه مهددا من قبل “الاسلام السياسي”.
بعيدا عن “القسوة” في الحكم، نقول: لم ينجح محسن مرزوق في التحول الى زعيم سياسي مقنع ؟ ولم ينجح في تحويل حركة “مشروع تونس” الى بديل سياسي ؟
في السياسة، العبرة بالنتيجة.
Comments