بورتريه/ يوسف الشاهد .. واللعب مع الكبار
كتب: هشام الحاجي
يصعب الاعتقاد، ان يوسف الشاهد، كان يحلم اياما قبل رحيل زين العابدين بن علي، انه سيكون ذات يوم في صدارة المشهد السياسي، و طرفا في صراع لم تعشه تونس منذ استقلالها، بين رئاسة الحكومة و رئاسة الجمهورية.
ذلك انه كان بعيدا الى حد كبير عن الانخراط في تفاصيل المشهد السياسي، دون ان يكون غريبا عنه. فقد نشا في عائلة يعنيها الشأن العام، فجده كان من مؤسسي جمعية “النادي الافريقي”، ضمن سياق توظيف الرياضة لإثبات الهوية الوطنية التونسية، و جدته راضية الحداد، التي لعبت دورا مهما في “تجنيد ” المرأة التونسية، لمقاومة الاستعمار و للإسهام في بناء مجتمع الاستقلال، قبل ان تتحول في مطلع سبعينات القرن الماضي، الى معارضة لاب الاستقلال، الساعي الى “رئاسة مدى الحياة”، و الرافض للتخلي عن نظام الحزب الواحد .
هذا “الارث السياسي”، منح الشاب الذي تخصص في الفلاحة، بعض “المفاتيح” التي استعملها في مستهل حياته العملية و ايضا السياسية . فقد التحق للعمل في السفارة الامريكية كخبير في الشأن الزراعي، و هو ما منح سيرته الذاتية نقطة ارتكاز لا تخلو من تأويلات، خاصة في ظل الدور الذي لعبته واشنطن في “التحريض”، على زين العابدين بن علي ثم في “المرافقة القريبة ” للمسار السياسي الذي اعقب نجاح “ثورة الياسمين”.
و لا شك ان يوسف الشاهد، الذي لم ينخرط في العمل السياسي قبل 14 جانفي 2011 ، قد استفاد الى حد كبير من “فقدان الماضي السياسي”، لتلافي الزمن المفقود . اذ لا يمكن اعتباره من “بقايا النظام السابق”، الذين يتحملون جانبا من مسؤولية الوضع الذي تردت فيه تونس، و لا هو من “محترفي السياسة “، الذين احترفوا هذا النشاط و حاولوا احتكاره لسنوات لكأنه “حقل” من “اختصاصهم”.
هؤلاء “المحترفون”، هم الذين القوا بيوسف الشاهد في “عالم ” السياسة الكبير، فقد احتضنه نجيب الشابي لفترة في الحزب الجمهوري، قبل ان تساعده “الاعتبارات العائلية “، على ان يقترب من الحلقة المضيقة، لمؤسس “نداء تونس” اولا ثم رئيس الجمهورية لاحقا، الباجي قائد السبسي، الذي اطمان للروابط العائلية التي تصله بيوسف الشاهد، ليعول عليه عضوا في حكومة الحبيب الصيد و مشرفا على الاعداد لمؤتمر سوسة الذي كرس هيمنة حافظ قائد السبسي على حركة “نداء تونس”.
لكن، السياسة لا تقوم على صداقات دائمة او عداوات دائمة، بل تحكمها اساسا مصالح و “مسارات”، فبعد ان أخرج الباجي قائد السبسي، اسم يوسف الشاهد من “جرابه” ليفاجئ به الباحثين عن معوض للحبيب الصيد، و نجح في “فرضه” على الجميع، سرعان ما اخذ يبحث عن تعويضه بعد ان تأكد ان الرجل يرفض ان يكون وزيرا اولا عند “صاحب قرطاج “، الذي يريد ان يسترجع باليد اليسرى ما سحبه منه دستور الجمهورية الثانية باليد اليمنى.
فالسبسي الأب، يريد ان يمسك بأغلب خيوط اللعبة، و هو الذي يتماهى في لا وعيه مع الزعيم المؤسس الحبيب بورقيبة، و الذي لا يستبعد انه يعد للاستمرار في الحكم، عبر الترشح لعهدة رئاسية ثانية.
لم يضع الرئيس الباجي قائد السبسي، في الحسبان وهو يسعى لدعوة يوسف الشاهد لرمي الميدعة، ان الشباب قد يعني نقص الخبرة ونقص الدهاء، و لكنه ايضا هو رمز الاصرار و العناد و الطموح، و “التحلل” من ضغط الماضي.
ولعل ما ساعده على ذلك، هو ان حسابات “حليف باريس” راشد الغنوشي قد تغيرت، و هو ما جعل يوسف الشاهد، يستفيد من التناقضات، ويشق عصا الطاعة، و يخطط للتحول الى “مشروع بديل “، و قد تغذى هذا الطموح بصعود قيادات شبابية في العالم.
التقط يوسف الشاهد، هذه الاشارات و قدم خطابا بسيطا و لكنه فاعل، خاصة و انه قد اتجه صوبا نحو محاربة الفساد و رد الاعتبار لهيبة الدولة. و اذا كان يوسف الشاهد قد نجح لحد الان في ما يمكن اعتباره “معركة ضمان البقاء سياسيا”، و فرض نفسه لاعبا مهما في ملعب الكبار، فانه يشرع مع تشكيل حكومة “الائتلاف الوطني “، في ادارة المرحلة الاصعب و الادق في مسيرته السياسية.
ذلك ان المواجهة الصامتة و العنيفة في عمقها، بينه و بين رئيس الجمهورية، لم تضع اوزارها بعد، و هو ما يفرض عليه يقظة اكبر، خاصة في علاقته بحليفه الجديد، حزب حركة النهضة، اذ ان ملامح هذه العلاقة لم تتحدد بعد.
كما لم يحسم يوسف الشاهد امره بعد في العلاقة بنداء تونس، فلا هو عمل على استعادته، و لا هو اعطى الضوء الاخضر لعضده الايمن سليم العزابي، للإسراع في تأسيس حزب طال انتظاره، حتى فقد عدد من المتحمسين له الصبر.
و حدث و لا حرج عن الملف الاقتصادي و انعكاساته الاجتماعية المزعجة على ساكن القصبة، فالعلاقة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، تمثل المكون الاكبر في الاشكاليات التي يتعين على يوسف الشاهد معالجتها، الى جانب الحرب على الفساد و العلاقة مع صندوق النقد الدولي، و ايضا التموقع في التحولات الدولية و الاقليمية المتسارعة، و التي ستكون لها بكل تأكيد انعكاساتها على تونس، و على الفاعلين السياسيين بها ….
يوسف الشاهد الذي التحق بملعب الكبار على “اطراف الاصابع” و تحول الى لاعب من ابرز لاعبيه مدعو لان يؤكد جدارته بالبقاء في هذا الملعب و بأن تكون سياساته سياسات كبار …فهل ينجح ؟ .. هذا هو السؤال.
Comments