بين قيس سعيد و راشد الغنوشي .. معركة كسر عظام معلنة !
هشام الحاجي
لم يكن أشد المتابعين “تشاؤما ” يتوقع أن تصل العلاقة بين قيس سعيد و راشد الغنوشي إلى طريق مسدود بمثل هذه السرعة. ذلك أن حركة النهضة قد اعتبرت أنها ساهمت في كسب قيس سعيد معركة الانتخابات الرئاسية و أنه بالتالي كان من أقرب المرشحين إليها .
لكن سرعان ما تسرب “الفتور” و سوء التفاهم إلى العلاقة بين الطرفين حتى بلغت ما بلغته اليوم من ما اعتبرته قيادات نهضوية “تحريض” من رئيس الجمهورية قيس سعيد انطلاقا من الجنوب (قبلي) على مجلس نواب الشعب وضمنيا رئيسه راشد الغنوشي، كلام قيس الذي كان مباشرا وصريحا واعتبر فيه أنه لم يكن في مستوى الأمانة و طالب الشعب باسترداد “الأمانة”، ويعني هنا طبعا مؤسسة البرلمان .
لم يتأخر رد راشد الغنوشي طويلا إذ جاء الرد الأولي من عضو مجلس نواب الشعب سيد الفرجاني و هو الشخصية المقربة من راشد الغنوشي و القيادي ذي الخبرة في المسائل الأمنية إذ خاطب بلهجة حادة في تدوينة “نارية” قيس سعيد، وخاطبه قائلا: “توقف عن تحريضك المتواصل من الجنوب على البرلمان ” و أشار سيد الفرجاني إلى أن التحريض لا يتوقف عند قيس سعيد فقط بل يشمل أنصار قيس سعيد الذين يدعون إلى ” الفوضى و سفك الدماء” .
تكشف تدوينة سيد الفرجاني عن حقيقة وجوهر “الصراع” بين رئيس الجمهورية قيس سعيد و رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي، و الذي مداره “السيطرة ” على أهم مفاصل الدولة وهي المؤسسة الأمنية، إذ اعتبر القيادي النهضوي أن قيس سعيد قد “تجاوز مربع “صلاحيته و ذلك “منذ أن أصبح من قصرك من يعمل على تعيين المدراء العامين في المؤسسة الأمنية ” .
لا شك أن المتابعين لمسار العلاقة المرتبكة بين قيس سعيد و راشد الغنوشي يدركون أن العلاقة قد عرفت حلقات متتالية من التوتر جعلتها تصل حاليا إلى نقطة اللاعودة، وبدأت فصول الجكاية من رفض الغنوشي تدخل قيس سعيد عند تشكيل حكومة الحبيب الجملي، لتتطور بعد ذلك حلقات التوتر والتي كان اخرها اقصاء الغنوشي من حضور مجلس الأمن القومي، الذي عقده الرئيس سعيد بصورة اجتماع أمني عادي ليقصي بذلك “غريمه”، وهو ما لم تقبله قيادات النهضة ورئيسها.
أصبحت حركة النهضة ترى أن ممارسات قيس سعيد التي من بين ما فيها “تعطيل تركيز المحكمة الدستورية ” قد جعلت “دولتنا في خطر و أمتنا القومي في خطر إذا واصلتم على هذا النهج الخطير ” حسب “الرسالة المفتوحة” من النهضة والتي ضمنت في تدوينة فايسبوكية وجهها النائب والقيادي سيد الفرجاني لقيس سعيد.
يذكر أن أن التيار لم يمر بشكل جيد بين حركة النهضة و قيس منذ الأسابيع الأولى التي تلت انتخابه حتى و إن ظل التوتر باردا و اقتصر على مجرد إشارات متبادلة حول “اختلاف الارتباطات و الميول الخفية ” للطرفين، وطذلك حول “تفسير” الدستور والتي انطلقت مثلما اشرنا مع مفاوضات تشكيل حكومة الجمني التي فشلت في المهد.
بعدها برزت أولى مؤشرات الخلاف والتباين ، التي تأكدت اثر دعوة رئيس الجمهورية لراشد الغنوشي و رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ إلى قصر قرطاج و “اخضاعهما” لدرس علني في شرح بعض فصول الدستور امنه رئيس الجمهورية و كان خلاله منحازا للياس الفخفاخ و تعمد الاحراج المقصودا لراشد الغنوشي. لا شك أن رئيس حركة النهضة لم يستسغ ذلك “الدرس” و لا يمكن أن يتقبله بسهولة رغم أنه قد قبل في نهاية الأمر أن يكون رئيس الحكومة هو خيار الرئيس.
ومن نقاط التباين الكبرى بين “الرئيسين ” تلك المتصلة بالعلاقات الدولية برز في تعاطي الرجلين مع الملف الليبي وان كان كليهما يؤكد على ذات المقولات والثوابت وحتى انهما يحسبان على القرب من المحور القطري- التركي .
و يبدو في هذا الصدد أن قيس سعيد قد يكون قد أبلغ المسؤولين في قطر و تركيا أنه لا يحمل موقفا سلبيا من هاتين الدولتين و لكنه يشترط أن يكون هو قناة الحوار الرسمية و الوحيدة في كل ما له علاقة بالسياسة الخارجية و يبدو أن إشاراته قد وجدت أصداء إيجابية في الدوحة و أنقرة و هو ما زاد في شعور راشد الغنوشي ب “الانزعاج ” من اكتساح قيس سعيد لمجالات و مواقع كان يعتبرها حكرا عليه.
كما هناك اتهامات بكون النهضة وراء تسريب الاشارة الى وجود اتصالات بين رئيسة ديوان رئيس الجمهورية مع رموز من النظام السابق و من إتصالات بقيادات أمنية معزولة في إطار الإعداد لمخطط يتم إنجازه مع نهاية أزمة الكورونا و تتم من خلاله المطالبة من خلال تحركات ميدانية بحل البرلمان و إسقاط الحكومة و لم تغب في خطاب الرئيس قيس سعيد أمس في قبلي إشارات في هذا الاتجاه.
و لا شك أنه من الصعب أن تحمل الأيام القادمة بوادر خفض في التوتر بين قيس سعيد و راشد الغنوشي في ظل ما يشهده البرلمان من توتر اثر على عمله وفي ظل ما يمر به التحالف الحكومي من صراعات و تجاذبات قد يستفيد منها قيس سعيد الذي لا يملك لحد الآن الا الخطاب وهو المجرد من الصلاحيات. لكن وبعد أن أطلق قيس سعيد معركة “سحب الوكالة” يكون السؤال من سيكسب هذه المعركة في ظل تخوفات من امكانية الانزلاق نحو الفوضى في ظل مناخ اقتصادي واجتماعي كارثي زادت أزمة الكورونا في متاعبه؟
Comments