تحليل اخباري: تصريحات سعيد من بروكسال .. هل هي خطوة رئاسية للوراء لحلحلة الأزمة ؟
منذر بالضيافي
يتسم المشهد السياسي في تونس اليوم بثنائية “الغموض” و “المجهول، وذلك بعد مرور قرابة السبعة اشهر على اقرار الرئيس قيس سعيد، ما سمي “بالتدابير الاستثنائية”، التي جعلته “الحاكم بأمره”، والماسك بكل السلطات، في وضع أقرب للحكم الفردي، الذي ينذر بالانزلاق نحو “نظام تسلطي”.
وضع مستجد، اثار الكثير من الحيرة في الداخل، خصوصا وأنه تزامن مع بروز أزمات مستجدة في علاقة بنقص في المواد الأساسية، وتواصل الانهيار الاقتصادي وهو ما تشير اليه بوضوح كل الأرقام والمؤشرات الاقتصادية، ومع ذلك نلاحظ غياب للحلول الجدية لجاوز هذا المأزق، الذي لو استمر ستكون تداعياته مكلفة على البلاد والعباد، وقد تجعل البلاد تنزلق نحو حالة من عد الاستقرار، قد تكون أقرب للفوضى.
كما اثار الوضع التونسي، وخاصة في علاقة بتنامي مظاهر الردة و التنكر للمسار الديمقراطي، الذي كان واعدا قبل اعلان الرئيس سعيد عن قراراته الاستثنائية، ردود أفعال خارجية “قلقة” و خاصة من قبل شركاء تونس الرئيسيين، الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد الأوروبي.
وهذا لا يخفي طبعا ما عرفه هذا المسار من صعوبات خصوصا تلك المتصلة بفشل حكومات ما قبل 25 جويلية 2021 عن ايجاد حلول لمشاكل البلاد وعجز عن تسيير الدولة، وهو وضع استمر حتى بعد اعلان “التدابير الاستثنائية” من قبل الرئيس سعيد.
وفي هذا السياق، طالب منذ أقل من أسبوع ممثل السياسة الخارجية في الاتّحاد الأوروبي جوزيف بوريل، بالعمل على “حث تونس على العودة إلى المسار الطبيعي للديمقراطية وإلى الحياة الدستورية العادية”. و لعل اللافت للانتباه هو أقرار جوزيف بوريل بأن هناك مقترحات لإيقاف المساعدات والدعم المالي إلى تونس، وهو تصرح مثل صدمة للتونسيين وللمتابعين أيضا.
ولعل هذا ما يفسر تصريحات اليوم من قبل الرئيس قيس سعيد بمجرد وصوله الى بروكسال عاصمة الاتحاد الأوربي، اين يشارك في القمة الافريقية – الأوروبية، وهو أول خروج له منذ اعلان احتكاره لكل السلطات، حيث صرح لوسائل الاعلام قائلا: انه لن يكون الا مع دولة القانون والمؤسسات وانه لا يمكنه ان يكون دكتاتورا في هذا العمر. وعن امكانية ايجاد تفاهمات سياسية مع الاطراف المعارضة اشار سعيّد الى وجود محاولات لفتح محادثات ومفاوضات.
وبخصوص اتهامه من طرف معارضيه بالانحراف بالسلطة نحو الدكتاتورية قال سعيّد “اقول مثلما قال الجنرال ديغول ذات يوم “لا يمكنني أن أبدأ مسيرة دكتاتور في هذه العمر “.
وعما اذا كانت هناك تفاهمات سياسية ممكنة مع معارضيه قال سعيّد “هناك محاولات لفتح محادثات ..هناك مفاوضات ..أنا استاذ قانون دستوري ولا يمكنني الا ان اكون مع دولة القانون والمؤسسات”.
للاشارة، فان الأوضاع في تونس تعرف تصاعد الصعوبات الاقتصادية في ظل تراجع مخيف في توازنات المالية العمومية، فضلا عن كونه تهيمن عليه حالة من الانقسام المجتمعي و السياسي، وارتفاع منسوب ازمة الثقة الغير مسبوقة بين الفاعلين الرئيسيين في البلاد، وخاصة بين الاسلاميين الذين يتزعمون المعارضة لقرارات سعيد وخصومهم من بقية التيارات وخاصة اليسارية و العروبية.
دون ان ننسى تفشي الشعبوية، التي ترفض التعايش مع “السيستام”، ولا تخفي نواياها في اسقاط النسق برمته، وتعويضه بأخر غير معلوم الملامح ودون هوية، ما يجعل منها ” مقامرة” غير مربحة، و تمثل بالتالي في السياق المحلي والاقليمي والدولي ايضا خطرا على استقرار المجتمع ووحدة الدولة، وسط وجود مخاوف جدية من وجود “مخطط” لتفكيك الدولة.
وما يزيد المشهد التونسي الحالي قتامة، ويجعله اقرب الى المزيد من التوتر، هو غياب الحوار ولعل تصريح الرئيس سعيد من بروكسال عن وجود “محادثات” في انتظار تفعليها في أرض الواقع العلني يمثل “خطوة للوراء” من قرطاج ، هي أكثر من مطلوبة لحلحلة الأزمة، ومن شأنها أن تحد من تفاقم الصراع حول السلطة، وسط وجود مخاوف جدية من الانفراد بالحكم ودفن مسار العشرية السابقة برمته.
يجري هذا في ظل سياق مجتمعي تغلب عليه مظاهر القلق الاجتماعي، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وانهيار الخدمات الأساسية للمرفق العام، من صحة وتعليم ونقل وغلاء الاسعار والمعيشة … اوضاع معقدة وصعبة، سيفاقمها غياب الحلول وتمدد الازمة السياسية وتأخر الانقاذ، ما يجعل البلاد في مواجهة المجهول.
بعد اكثر من ستة اشهر على ” واقعة 25 جويلية”، التي انهت منظومة حكم ثورة 14 جانفي 2011، ومسار الانتقال الديموقراطي الذي ارتبط بها، وكذلك ما اطلق عليه ثورات “الربيع العربي”.، وما صاحبها من تصدر لتيار الاسلام السياسي للمشهد السياسي والحكومي. نلاحظ غياب تام للنقاش” débatالاعلامي والاكاديمي، لفهم ما حصل: “الاسباب والتداعيات والسيناريوهات المتوقعة مستقبلا”.
وفي المقابل استمر – كما كان قبل زلزال يوم عيد الجمهورية الفارط – الجدل polémique، الاعلامي و السياسي الفاقد للمعنى، الذي حافظ على نفس الوجوه والفاعلين السياسيين والاعلاميين ” المحروقين”..
ما جعل الجمهور ، الذي “سأم” هذه المنابر، يختار “الاطمئنان” و “التطبيع” مع ما حصل على مساوئه الظاهرة والمعلومة، ورغم ادراكه انه لا يملك لا الحلول ولا الكفاءة ولا التجربة لإدارة اوضاع معقدة.
وفي ذلك “عقاب مركب” لأعلام يغرد خارج السرب، و لطبقة سياسية فاشلة سياسيًا وساقطة اخلاقيا.
وفي الاثناء ، تزداد فصول المخاوف، التي تحولت الى ما يشبه ” محنة وطن” ، فالجديد عاجز والقديم منبوذ والبديل غائب، والخارج تركنا لحالنا نغرق في أزماتنا، ولا يفوت فرصة للتعبير عن “بالغ قلقه” من الشأن الجاري في ديارنا.
Comments