الجديد

// تحليل اخباري// من النكبة إلى الإبادة: خطة ترامب .. بين الاستعراض ومأزق السلام !

منذر بالضيافي

أخيرا، تدخل دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي، وبكل ثقله لفرض “تسوية” لإنهاء حرب غزة التي تحولت الى مأساة القرن الحالي، بعد أن تعالت أصوات  أحرار العالم،  في أنحاء الكرة الأرضية الأربعة، لوقف ما أصبح يوصف في الاعلام :ب “الابادة” و حرب “التجويع” الممنهجة، وبعد أن خطب ناتنياهو رئيس وزراء اسرائيل، في قاعة فارغة في اجتماعات الأمم المتحدة – الجارية الآن في نيويورك –  في لحظة فارقة، كشفت عن حالة عزلة الرجل وبلاده.

وهو ما دفع ساكن البيت الأيض للتحرك، تحرك جاء متأخر ا جدا،  لكنه مع ذلك  قوبل بترحاب دولي وقبل ذلك عربي و اسلامي، قرار على أقله سينهي بل الأصح سيقلص من “نهر الجنون” الممتد منذ 7 أكتوبر 2023، لكنه تدخل بسقف محدود جدا أيضا، وهو ما كشفت عنه بنود اعلان ترامب بحضور رئيس الوزراء الاسرائيلي، إعلان نوايا “وهم سلام”، سيمدد في عمر أعتى أشكال الاستعمار في القرن ال 21 .

برغم أنه اعلان متحيز وغامض وبلا أفق، فان ملامح ناتينياهو لحظة الاعلان كانت “غير مطمئنة” فالرجل لا يريد لهذه الحرب أن تتوقف، فتوقفها هو نهاية مساره السياسي، ولعل عدم قبول نتينياهو مرده أن الاتفاق المعلن عنه دون آماله، وهو ما عبر عنه القيادي الفلسطيني مصطفى البرغوثي، في تعليقه على خطة ترامب/نتنياهو، عندما أشار الى أن “”إسرائيل” فشلت في تنفيذ التطهير العرقي لغزة، لكنها دمرتها بالكامل”.  وتابع “كان ينبغي إجبارها على دفع تعويضات عن الدمار اللاإنساني الذي تسببت فيه”.

وبالنسبة للبرغوثي فانه “من المهم وقف حرب الإبادة الجماعية وتخفيف المعاناة الإنسانية، لكن خطة ترامب تجاهلت الفلسطينيين والسبب الجذري للصراع وهو الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري. الخطة مليئة بالألغام التي يمكن أن تفجر الوضع برمته. لا توجد ضمانات بأن نتنياهو لن يستأنف حرب الإبادة الجماعية بعد استعادة الأسرى الإسرائيليين. ستبقى قوات الاحتلال في غزة لفترة طويلة ولا توجد ضمانات للانسحاب الكامل. “.

كما شدد البرغوثي على أن “أسوأ الألغام هو فرض حكم أجنبي على الفلسطينيين في غزة، مما سيفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية ويقوض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة”.

لم تكن خطة ترامب لإنهاء حرب غزّة مشروعاً حقيقياً للسلام، بقدر ما كانت محاولة استعراضية لفرض “تسوية” تحت أزيز المدافع. فالاختلال الفاضح في موازين القوى، والرغبة الأمريكية في إنقاذ نتنياهو من عزلته الدولية بعد حرب وُصفت حتى من أقرب حلفاء تل أبيب بالإبادة والتجويع الممنهج، يجعلان الإعلان يولد “أعرج” ومنحازاً منذ اللحظة الأولى.

لكن خطورة الخطة لا تكمن في مضمونها فقط، بل في المأزق الذي تضع الفلسطينيين فيه، وتحديداً المقاومة. فرفضها يعني إعطاء ضوء أخضر لاستمرار الحرب، مع تخفيف الضغط الإنساني الدولي على إسرائيل، أما القبول – وهو الأرجح – فسيكون بلا ضمانات، ليضع أهل غزة أمام قرار في طعم العلقم: إمّا الموت تحت القصف، أو سلام ناقص لا يوقف المعاناة.

في هذا السياق، لم يعد الرهان على السلاح وحده، بل على ما يمكن تسميته بـ”المقاومة السياسية والدبلوماسية”. فالكرة انتقلت إلى ملعب السياسة في لحظة تاريخية بالغة القسوة، حيث تنعدم الخيارات داخلياً وإقليمياً ودولياً، لتصبح الدبلوماسية – مهما بدت ناقصة – أداة لا يمكن الاستغناء عنها.

منذ النكبة وحتى اليوم، لم تتوقف المحن عن ملاحقة الفلسطينيين، و إعلان ترامب جاء ليكشف أنّ القضية تدخل طوراً جديداً من تاريخها المثقل بالجراح: محنة تولد أخرى، وجرح يأبى أن يندمل.

وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب،  قد كشف عن خطة لإنهاء الحرب المستمرة منذ نحو عامين في قطاع غزة، تتضمن نزع السلاح من القطاع وآلية لإدارته وإعادة إعماره، فضلاً عن تبادل للرهائن والسجناء الأحياء والأموات.

وتحدّث ترامب عن خطته خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض، الذي عبّر عن دعمه للمقترح، فيما تعهدت حماس أنها ستدرس المقترح “بحسن نية” وفقاً لما نقلته رويترز.

ووفقاً لبنود الخطة فإن سكان القطاع “لن يُجبَروا” على الخروج منه، وهو موقف لوّح به ترامب ونتنياهو سابقاً، وقوبل برفضٍ عربيٍ حينها.

وتشير الخطة إلى نشر قوة دولية في القطاع بالتزامن مع انسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي.

و ستدار غزة عبر حكم انتقالي مؤقت من قبل لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية، تتولى تقديم الخدمات اليومية للسكان، وتتكون من فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين، تحت إشراف هيئة انتقالية دولية جديدة تُسمى “مجلس السلام”، برئاسة دونالد ترامب، مع شخصيات وقادة آخرين، بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.

ورغم أن الخطة تبدوا منحازة وغير قابلة للتطبيق، إلا أنها تحمل رسالة لافتة: أن أي خطوة، مهما كانت ناقصة، قد تفتح نافذة ضيقة للخروج من الخراب المستمر.

يثبت التاريخ أن مسارات السلام تبدأ عادة بخطوات غير مكتملة، وربما غير عادلة، لكنها في كثير من الأحيان تكون المدخل إلى واقع مختلف.

ويبقى السؤال: هل يمتلك الفلسطينيون وحلفاؤهم اليوم عبقرية تحويل هذا الاتفاق إلى فرصة لفرض حضورهم السياسي والدبلوماسي، بدل الاكتفاء بتلقي الضربات على طريق طويل من النكبة إلى الإبادة؟

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [ View all posts ]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Go to TOP