تحوير وزاري ام "توزير" سياسي
محمد صالح مجيٌد *
تتداول “الدكاكين” الحزبية، منذ أشهر موضوع التحوير الوزاري، في غفلة من الشٌعب الذي انتخب ذات يوم لأنٌه دُعِيَ إلى ذلك عبر عمليات استدراج ميكيافيلية، ثمٌ انشغل بسرعة عمٌا اقترفت يداه بالبحث عن الحليب، واللهث وراء اللقمة الفارٌة مع اجنحة الأسعار الطائرة، وضمان سلامته عند الخروج من المنزل في ظلٌ امطار طوفانية.
والحقيقة انٌ هذا “التحوير”، لا يعني إلا الباحثين عن التموقع في ظلٌ التوازنات الجديدة، من سياسيين أتت بهم الصدفة ،او من “مُعتٌقين” عرفوا اروقة الحكم وحدائقه الخلفية منذ سنين. فهذا الحدث الذي اخْتُلِف في توصيفه أمسى عند البعض فرصة لضمان استقرار سياسي.ٌ!! ما يعني الإبقاء على الموجود مع إضافة بعض الرتوشات التجميليٌة والترقيعيٌة لجمع شتات من النواب يمنحون هذه الحكومة الثقة المرجوٌة. في حين امسى عند آخرين فرصة لتذوٌق حلاوة الكرسيٌ قبل ان تتغيٌر الأمور في قادم الأيام.
بات اكيدا أنٌ ما يجري هو محاولة لمزيد تثبيت “الشٌاهد” فارسا مرشٌحا في سباق الحكم وهو الذي لم يخف قيادته لجناح يريد أن يخلٌص حزبه من براثن ابن الرئيس. وما يدعم هذا الفريق في بوتقة الصراع الداخلي الذي دكٌ جذور “النخلة”، هو اختيار مؤسٌس النداء ساكن قرطاج-رغم محاولة إنكاره في اكثر من مناسبة- أن يكون أبا “بيولوجيا” رافضا ان يكون ابا “روحيا” بخيمته يستظلٌ الجميع كما اراده كثير ممٌن تجمٌعوا حوله.
يمعن الشاهد بدعم من مستشاريه في السر والعلن، في الإيهام بأَنْ لا مطامح شخصية له !!وكلٌ ما في الأمر أنٌه يقود جناحا يريد ان يحسم أمر الخلط بين العائلة في معناها الضيق والواسع وبين سياسة الحكم بعد أن قرأ جيٌدا الجملة التي قيل إنٌها ضبطت إيقاع خروج “الحبيب الصيد” من القصبة” تخرج وإلا نمرمدوك”.
مازال رئيس الحكومة يخاتل ويراوغ وكأنٌ الإعلان الصريح عن طموح شخصي معيبة تتطلب كلٌ هذا التحفٌظ والمواربة !!حتٌى وإن اقتضى الأمر رهن العمل الحكومي بصراع لا يعني عامٌة الشٌعب.. وغير بعيد عن هذا الصراع الداخلي حزب حركة النهضة الذي اختار-بكلٌ دهاء- ان يكون في السلطة دون ان يتورٌط في تبعاتها. بحيث ينعم بأطايبها متحكٌما ومتنفٌذا ،ويتوارى مع المعارضة مشٌككا وناقدا عجز الحكومة عن القيام بالإصلاحات كبرى كما وعدت!!!ويقتضي الإنصاف الجزمَ بأنٌ النهضة تحسن إدارة الازمة وتٌجيد تكييفها بحيث تخرج بأخفٌ الأضرار غير غافلة عن التحوٌلات الدوليٌة وما يمكن ان تنجرٌ عنها من استتباعات.
وغير خاف أنٌ ممارسة السياسة بعقليٌة “الجمعيٌة الخيريٌة” التي تعمٌ فيها الفضيلة هي مطلب العجزة وفاقدي الذاكرة. فأيٌ انتصار لهذا الحزب اقوى من جعل جميع التشكيلات السياسيٌة رهينة اختياراته؟ وهل كان “راشد الغنوشي” يْجانب الصواب عندما قال هازئا: “من اراد ان يشكل حكومة دون النهضة فليفعل”!!!.
في خطاب رئيس الحركة إقرار لحقيقة تؤكدها الوقائع مفادها أنٌ رئيس الجمهوريٌة بمناورة القطع مع النهضة، والشٌاهد بالبحث عن تحالفات جديدة غير قادريْن-وإن حرصا وتحالفا من جديد- على تغيير المشهد السياسي، وعزل النهضة التي تمترست رقما صعبا في معادلة الحكم والتحكٌم.
و السؤال الذي تتأكٌد شرعيته يوما بعد يوم ،في ظلٌ إنجازات هذه الحكومةٌ أي دور للتغيير والتحوير قبل امتار قليلة من خط الانتخابات القادمة؟؟؟ولمصلحة مَنْ النٌفخ في الرماد للإيهام بان لا مخرج لتونس إلا في تغيير وزير بآخر ونقلة وزير من كرسي إلى آخر ؟؟ .
ثمٌة سعي محموم إلى إظهار “التغيير” أو “التحوير” الوزاري في صورة الحلٌ المنتظر الذي سينقذ تونس من ازماتها المتعدٌدة والحال أنٌه-في ظلٌ المشاورات الجارية- مجرٌد سعي إلى إعادة انتشار حسب ما تمليه الإكراهات الحزبيٌة والتوازنات السياسية الجديدة استباقا للاستحقاق الانتخابي.
فأيٌ تغيير يُرْجى من تبادل المراكز وتعويض بعض الوجوه إذا كان التمشٌي الحكومي هو نفسه؟ وهل يمكن لفريق لم يفلح في الإصلاح على مدى سنوات عجاف ان يتدارك أمره في أشهر !!؟؟؟ لقد فات سياسيي الصٌدفة الذين تقاطروا من كلٌ حدب وصوب ،ان هذا الشٌعب الكريم بطبعه في منح صوته حسب ما تٌمْليه الحاجة عند عدد كبير من المحتاجين البسطاء ،والنفعيٌة عند اللاهثين وراء المغانم، وتزجية الفراغ عند السٌواد الأعظم من اللامبالين ،لم يعد يعنيه ان يرى الشاهد على رأس الحكومة أو غيره ولن يجد الوقت لحفظ أسماء الوزراء المتعاقبين …بل أمسى كلٌ همٌه ان يستيقظ في الصباح دون ان يفاجأ بانقطاع التيار الكهربائي أو الماء ودون ان يطول وقته وقوفا في طابور انتظار حافلة قد لا تأتي او طابور انتظار حليب جفٌ ضرع بقرته التونسية فأسعفته بلجيكية تبتسم في وجهه صباحا وتذكره بتراكم ديونه في المساء.
Comments