تحيا تونس .. حزب جديد بوجوه و شعارات قديمة
المهدي عبد الجواد
من مدينة المنستير أطلق أنصار رئيس الحكومة السيد يوسف الشاهد، مشروعهم الجديد الذي اختاروا له من الأسماء “تحيا تونس”. عملية فيها الكثير من الترميز. اختيار المنستير له دلالات كثيرة، لعل منها محاولة الاستظلال بالزعيم الحبيب بورقيبة، و جعل الوليد الجديد من تلك السلالة الوطنية، البورقيبية حاملة المشروع الوطني الإصلاحي، و هي شرعية تتنازعها أحزاب كثيرة، تدعي كلها انتماءها لها. ثاني الرمزيات، استحضار لاجتماع الباجي قائد السبسي ذات مارس من سنة 2012، و هو الاجتماع الذي كان بداية انطلاق حركة نداء تونس. الرمزية الثالثة و هي أكثر الرمزيات “ضُعفا” اختيار اسم المشروع من شعار حملة نداء تونس للتشريعية سنة 2014، “تحيا تونس” الذي كان الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي أطلقه يوم 9 نوفمبر 1987، في رده على “يحيا بن علي”.
أغلب الحاضرين من قواعد نداء تونس و قياداته المحلية و الجهوية و الوطنية و نوابه. انضم إليهم بعض “المنشقين” على أحزاب أخرى مثل آفاق تونس و الجمهوري. في جو بهيج حماسي، و في قاعة مليئة بالحضور مزدانة بالرايات الوطنية، تم الإخراج في أحسن صورة. لكن الصور “فضّاحة” ايضا، فهذا المشروع ليس غير نُسخة أخرى غير معدّلة لحركة نداء تونس، بنفس الشعار و نفس المصطلحات و الجمل و التراكيب و بألسنة نفس الاشخاص، التي ارتبطت في أذهان الناخبين بنداء تونس، (المشروع الوطني العصري/ المشروع الحداثي/ البورقيبية/ نمط العيش التونسي/ الشخصية التونسية المتميزة..روافد الحركة الوطنية و أجيالها…) الأمر هو نفسه…. و بعيدا عن هناك وفي نفس التوقيت تقريبا ببورصة الشغل، يقول محسن مرزوق المستقل بشق من مشروع “نداء تونس” نفس الأمر.
الصّور فضّاحة، لان الكثير ممن كان نصيرا وسندا لحافظ قائد السبسي في المعارك التي شهدها الحزب الاصلي، و كان طرفا فاعلا في ما آل اليه وضع الحزب، و بعضهم سببا في الانشقاقات التي شهدها، و في مغادرة الكثير من اطاراته و كوادره في كل مستوى هياكله، يتصدر مشهد التأسيس. من كان سببا في تدمير نداء تونس حامل المشروع الوطني، يُقدم نفسه اليوم بانه مؤسس لحزب جديد سيحمي نفس المشروع الوطني.انها سرياليات الوضع الحزبي و السياسي التونسي.
مؤشرات لا تخفى على الكثيرين من المتابعين، بان المشروع الجديد، وُلد مُحاطا بالكثير من التحديات التي عليه تجاوزها و لم يشتد عوده بعد. أول التحديات هو المواءمة بين السياسيين الملتحقين بالمشروع و نواب كتلة الائتلاف. و هي عملية انصهار صعبة، ناهيك ان أغلب النواب، لا يحكمُ تفكيرهم و غاياتهم و نوازعهم غير التجديد البرلماني، هاجسهم الترشح على رأس القائمات الانتخابية القادمة. و تصدر قيادة الحزب، تُصبح جواز العبور الى ذلك، و هذا أمر لا نعتقد ان قامات سياسية مهمة ملتحقة بالحزب الوليد تقبله، ناهيك عن تجربتها الحزبية او الحكومية التي تدفعها الى الاعتقاد بأولوية قيادتها للحزب. و يكفي النظر الى “قاطو الميلاد” لنعرف ذلك، اذ رسم عليها الاسم السياسي و انضافت اليه اسم الكتلة. ومن المعلوم ان أول بوادر التفكك في نداء تونس، بدأت بشرارة الصراع في بداية 2015، بين كتلة النداء المنتخبة، و الهيئة التأسيسية و المكتب التنفيذي، حيث عملت الكتلة على الهيمنة على الحزب، و إقصاء قياداته السياسية، و النتيجة هي ما يعيشه النداء اليوم.
ثاني هذه التحديات، هو صهر قدامى النداء، مع الوافدين الجدد من أحزاب و تيارات أخرى، فهم و على قلّتهم لهم وزنهم السياسي و الجهوي و المالي. و ثالث التحديات، هو النجاح في فك الاشتباك بنداء تونس، على مستوى القواعد… فالكثير ممن أثث الاستشارات الجهوية، او حضر اليوم، مازال يعتقد أنه في اجتماعات النداء، و ان ما يحصل هو مجرد محاولة إصلاحية “للم الشمل” بين الفرقاء فيه من جديد. و أهم التحديات، تبقى مدى القدرة على تجاوز “الأمراض” التي تعرفها الأحزاب السياسية، امراض في الحوكمة و الديمقراطية الداخلية و التمويل و القيادة، أمراض صياغة مشاريع لأحزاب قادرة فعلا على بناء جسور الثقة مع أغلبية لا ثقة لها بها، أمراض النجاح في استقطاب النّخب و الكفاءات الوطنية التي تنآى بنفسها اليوم على عالم الاحزاب، الذي تنخره الانتهازية و الطمع و التملق و الزبونية.
أفضل ما حصل اليوم، هو حسم الشاهد و جماعته أمرهم، و خروجهم على الناس بمشروعهم الجديد، انتهت فترة التردد. و انتهت فترة الامهال التنظيمي، و انتهت حكومة الوحدة الوطنية. وجود حزب جديد يُلد “كبيرا” كما قال سليم العزابي الرجل الثاني في الحزب، في السلطة دون ان يكون قد شارك في انتخابات 2014، من سرياليات الوضع السياسي في تونس. حزب حاكم يلتحق به كثيرون ممن تغريهم مغانم الحكم، و منافعه، و ذلك تحد آخر. شهدنا اليوم ولادة حزب الشاهد، و سنكون شاهدين ايضا على مدى نجاحه او فشله.
Comments