ترامب يفوز..بايدن يتمسك بالصبر .. والداخل الامركي يحسم الموقف
المهدي عبد الجواد
تابع العالم بكل شغف منافسات الانتخابات الرئاسية الامريكية. وسهرت القنوات التلفزية في جميع أنحاء العالم لنقل صور لناخبين وتحاليل الخبراء لواحدة من اهم واعرق الديمقراطيات في العالم. وتبرهن امريكا انها سيدة “العالم الحر”، بالاقبال التاريخي على التصويت، فحسب جريدة النيويورك تايمز فانها اكثر الانتخابات مشاركة شعبية منذ اكثر من قرن.
فمن المرجح ان يكون 150 مليون ادلوا باصواتهم، و جدد الامريكيون في آليات الانتخاب، إذ قام حوالي 100 مليون امريكي باصواتهم قبل يوم الاقتراع بطرائق غير مباشرة، عبر التصويت الالكتروني او البريدي. ورغم هذا التجديد التقني والذي نرجح انه سيكون مقدمة لتغيير تقنيات الانتخابات في بقية العالم، فإن مخاوف كبيرة تحوم حول ما قد تخلقه هذه الآليات من مشاكل قانونية وجدل سياسي و قضائي.
يرفض دونالد ترامب القبول بنتائج صناديق الاقتراع الواردة بعد غلق مراكز الاقتراع مستندا الى قاعدة قانونية وهي كون الانتخابات تتم في مراكزها، بل ذهب في تغريداته الى اتهام الديمقراطيين بالعمل على “سرقة الانتخابات ” وهدد بعدم قبول نتائجها وقام بشحن آلاف الشباب اليميني المتطرف مما يزيد من مخاطر اشتعال اعمال عنف.
يتم الفرز في هذه الانتخابات على اتجاهات متعارضة، فجو بايدن نائب الرئيس اوباما لدورتين،فقد عمل في حملته على التوجه إلى “روح امريكا” من اجل استعادتها و تخفيف معاناتها،وتوجه الى الناخب الامريكي العادي والى النخب التقليدية لذلك كانت الحملة استفتاء على سياسات ترامب وخاصة طريقة ادارته لازمة الكورونا في قلب حملته الانتخابية.
وركز بايدن على القضايا الرئيسية المالوفة عند الحزب الديمقراطي في الرعاية الصحية وقضايا المراة و العنصرية وادماج الاقليات كما بين عزمه تنظيم مؤتمر لدعم “نشر الديمقراطية في العالم” قرار قد يكون مهما لتونس باعتبارها “الناجي الوحيد” من الربيع العربي الذي كان بايدن احد مهندسيه، وهو ما قد يؤشر الى استعادة المبادرة لتنظيم جديد لمنطقة الشرق الاوسط في علاقة بالديمقراطية وخاصة موقع “الاسلام السياسي” فيها، وسط راديكالية متنامية في اوروبا لمعاداته.
اما ترامب فقد ظل وفيا لخطه “التجديدي” ويدعو لاسترجاع عظمة امريكا، فقد كان عمليا ومباشرا ونفعيا. اذ واصل هجومه على امريكا “الناعسة” وشكل مجموعات شبابية قامت بحملة كبيرة داخل صفوف الاقليات التي وعدها ترامب بدمج فعلي في الاقتصاد والمجتمع الامريكي.
لقد صرح اكثر من نصف سكان فلوريدا ان وضعهم الاقتصادي صار افضل وتحسن في فترة حكم ترامب، علامة مهمة تحسب لترامب، فما يهم الناخب الامريكي هو مستوى عيشه والامتيازات التي يحصل عليها، لذلك وعد ترامب بكبح جماح التغول الصيني ومعاقبتها تجاريا كما وعد بتوفير عشرة ملايين موطن شغل. ويتوجه الرئيس المتخلي الى عموم الامريكين بخطاب سهل ومباشر فيه الكثير من الشعبوية،
ولكنه خطاب عملي لفئات واسعة من الامريكين المحافظين قيميا والمتخوفين من مضاعفات ازمة الكورونا الاقتصادية. قام ترامب باختراقات مهمة في بعض الولايات المتأرجحة مثل التكساس وفلوريدا وخاصة في بعض الولايات التي تحسب عادة على الديمقراطيين او ما يعرف ب”جدار الصد الازرق” مثل بنسلفانيا. لن نعرف النتائج قريبا ولكن بقاء ترامب ليس امرا مستبعدا، بل هو الاقرب بحسب تقدم عمليات الفرز.
لن تتغير السياسات الامريكية جوهريا بتغير الرئيس، فامريكا دولة منظمة تحمها عقول مراكز البحث الاستراتيجي ومراكز النفوذ التي تحدد اتجاهات سياساتها لعقود مستقبلية، قد تتغير بعض التفاصيل ولكن الجوهر هو نفسه “مصلحة امريكا ورفاهية شعبها”، ورغم ذلك فان بعض التراتيب الجديدة قد تظهر بحسب الفائز، فبايدن سيكون اقرب الى القوى “الاسلامية” و سيتواصل معه دعم التجربة الديمقراطية وهو ما قد يكون مفيدا لتونس التي تعيش وضعا صعبا، خاصة وان بايدن يعرف جيدا خصوصية تجربتها،
بايدن قد يعدل من اصطفاف ترامب وراء اسرائيل وقد يتوقف معه السير السريع لقطار التطبيع، وسيعود الى سياسة اكثر عقلانية في علاقة بالصين وأوروبا وروسيا. لكن ترامب لن يكترث بكل هذا وستكون مصالح امريكا واسرائيل هي المحدد لذلك ستضطر بلدان عربية اخرى للانضمام الى قائمة المطبعين، وسيتواصل اهمال “التجارب” الديمقراطية فهي عنده مسائل لا تهم الامريكيين شانها شان قضايا دول اخرى.
انتخابات زعيمة العالم الحر التي تتابعها حتى الشعوب التي لا تعرف انتخابات لها في كل الاحوال تاثيراتها على بقية العالم بدأت مؤشرات ذلك في اسعار النفط والذهب وحركة البورصات العالمية. ولكنها انتخابات في قلب صراع تصريحات يجعلها شبيهة بالديمقراطيات الناشئة، ففيها حديث على الدولة العميقة وعلى فساد السياسيين وعلى تزييف الانتخابات و حتى التهديد برفض النتائج. شيخان سبعينيان يتنافسان على البيت الابيض من موقعين مختلفين.
فبايدن يمثل النخب الامريكية الحاكمة ومنظومتها المترسخة منذ عقود، اما ترمب فيقدم نفسه كمترشح من خارج المنظومة معلنا معاداته للنخب السياسية الفاسدة و ووقفه ضد ديمقراطية المتحيلين، صراع يشق المجتمع الامريكي وقد يكون موضوعا للصراع القضائي، وورائهما يتخفى صناع القرار واللوبيات الكبيرة. صراع محتد لا نهاية متوقعة له قريبا مع توقع اكبر يتم فيه اعادة فوز ترامب
Comments