تشريعيات 2019 …..النهضة و كمين الرئاسيات
هشام الحاجي
يبدو ان حركة “النهضة ” تعيش هذه الايام وضعا لم يكن يتخيله اشد الذين لا يعارضونها بل لا يخفون مشاعر “العداوة ” تجاهها، فقد تجرعت اول هزيمة انتخابية قاسية منذ 2011 وهي التي عجزت عن ايصال مرشحها عبد الفتاح مورو الى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية .
“استغل ” بعض منافسيها هذه “النكبة” الانتخابية لإعادة ملف الاغتيالات السياسية الى صدارة المشهد السياسي و الاعلامي من خلال تحرك لعدد من المحامين في رحاب قصر العدالة و ما رافقه من محاولة اعتصام فيه و الذي ادى الى اخلاء الامن للمكان باستعمال للقوة ضد المحامين الذين اتهمهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في تفاعل مع الحدث ب”البلطجة”.
و هو ما اثار غضب قطاعات واسعة من المحامين الى الدرجة التي جعلت الجمعية التونسية للمحامين الشبان تدعو الى متابعته جزائيا . ولا شك ان ارتفاع بعض “الاصوات الرافضة ” داخل النهضة يمثل الضلع الثالث في “مثلث ” مظاهر “مستجدة و مزعجة ” بالنسبة لحركة النهضة و قيادتها .
فقد تزامن “الفشل الانتخابي” مع عودة الاصوات الناقدة داخل الحركة للبروز علاوة على حصول ” سابقة ” ذات دلالات في بروز توتر غير مسبوق في علاقة الحركة بقطاع المحاماة الذي تقاسمت معه سنوات “خندق الدفاع عن الحريات و حقوق الانسان ” و التقت مع “عميده” المقرب منها عبد الرزاق الكيلاني في الاطاحة بالرئيس الاسبق زين العابدين بن علي .
هذا التزامن جعل قيادة النهضة تدرك انها تمر بواحدة من اخطر “مناطق الاضطراب السياسي” و هو ما يفرض عليها اعادة النظر في تمشيها و النظر الى الانتخابات التشريعية بوصفها الفرصة التي لا ينبغي التفريط فيها من اجل التأكيد على ان حركة النهضة هي حجر الزاوية في بناء تونس ما بعد 14 جانفي 2011 .
هذا “السعي” يصطدم بعدة عراقيل من الحجم الكبير . ذلك ان تيارا ما فتئ ينمو داخل الحركة يعتبر ان قيادتها قد “تخلت” عن خطها “الثوري و النضالي” من اجل تقارب مع رموز الماضي في “اعادة انتاج للنظام السابق” لم يدعم مشروعها و لم يساهم في تحقيق “اهداف الثورة” و هو ما ادى الى ابتعاد حركة النهضة عن حاضنتها الاجتماعية و “ابتعادها ” عن مشروعها الذي طالما ناضلت من اجله و بشرت به و هو ما جعل المعركة بين قيادتها تنحصر مؤخرا في الاشارة الى تنامي الفساد في بعض دوائر القرار و خاصة في محيط رئيس الحركة راشد الغنوشي .
لا شك ان “تبخر” جزء هام من الخزان الانتخابي لحركة النهضة و تحوله الى غيمة امطرت في اراضي مترشحين اخرين من ابرزهم قيس سعيد قد فرض على النهضويين التجند من اجل ايقاف “التبخر” و من اجل الاطاحة بحزب “قلب تونس” الذي تجعله استطلاعات الراي المرشح للفوز بالانتخابات التشريعية .
هذه التوقعات تجعل حركة النهضة تراجع “توقعاتها ” في اتجاه “تخفيض” اقل ما يقال عنه انه يربك قيادات النهضة التي كانت تتوقع ان الاستحقاق الانتخابي سيكون “نزهة رائقة” تنتهي بسيطرتها على رئاسة الجمهورية و رئاسة الحكومة و رئاسة مجلس نواب الشعب.
ومما يزيد في الضغط على قيادة حركة النهضة ادراكها انها تحتاج الى اصوات من خارجها من اجل الاحراز على الصدارة و هو ما يعني اقناع احزاب و حساسيات اخرى بالتصويت لقائمات حركة النهضة و هو ما يبدو صعبا في الوقت الحالي اذ يصعب اقناع المختلفين ايديولوجيا تاريخيا بقطع هذه الخطوة كما يبدو ان استعادة “الاصوات الضائعة ” التي انجذبت الى اطروحات اكثر يمينية و تشددا في الظاهر هي امر صعب المنال هو ما يمثل وجع راس حقيقي لحركة سعت دائما لمسك العصا من وسطها دون ان تعمق احيانا المسارات التي اختارتها كما كان الامر بالنسبة لخيار التوافق الذي ساهمت من خلاله في تجنيب تونس مخاطر هزات غير محسوبة العواقب.
و لكنها لم تحرص على منحه مضمونا اجتماعيا و اقتصاديا يجعله قادرا على التصدي للإحباط و للعطالة التي اصابت الدولة و جعلتها دولة فاشلة و جعلت النهضة تدفع مع بقية الاحزاب ثمن هذا الاخفاق الكبير.
Comments