الجديد

تشكيل حكومة: "النهضة" بين "لغز قيس سعيد" و "ضغط الأحزاب" 

هشام الحاجي
لم تتضح ملامح المرحلة القادمة بشكل كامل بعد انتهاء “الزمن الانتخابي ” مع ما يعنيه من انتقال الى سياق سياسي لا يقبل الارجاء و الانتظار في ظل وضع اقتصادي اقل ما يقال عنه انه حرج مع ما يمكن ان يكون له من تداعيات على وضع سياسي ميزته الى جانب ارتفاع سقف التطلعات و المطالب ضعف هيكلي اصاب الاحزاب السياسية و خلق هوة محيرة بينها و بين المواطنين و هو ما يمثل مؤشرا على ان الايام القادمة تمثل منعطفا على غاية من الدقة و الى حد ما الخطورة و تفرض على الطبقة السياسية و الاحزاب التي نجحت في الوصول الى مجلس نواب الشعب مسؤولية مضاعفة لأنها تتصدر المشهد السياسي و لأنها مطالبة – و لو بدرجات متفاوتة – بتحقيق النتائج .
لا شك ان حركة النهضة هي اكثر الحركات السياسية المعنية بهذا المشهد في ادق تفاصيله لأنها قد وجدت نفسها بحكم ما افرزه صندوق الانتخاب مدعوة لتشكيل حكومة و لان تكون في مواجهة اشكاليات متداخلة و متناقضة داخليا و خارجيا و لان تفكك طلاسم “لغز ” اسمه قيس سعيد و لضبط سبل التعامل معه .
حركة النهضة تدرك جيدا ان “هامش مناورتها ” قد ضاق بشكل كبير في ظل “اكراهات ” متعددة . ذلك ان الاغلبية التي احرزت عليها الحركة ليست مريحة من الناحية العددية و تسبب حالة من “وجع الراس” من الناحية السياسية لأنها تفرض عليها العمل على اقناع احزاب لها تحفظات حتى لا نقول  تناقضات لا تقبل الحل مع حركة النهضة و في ما بينها.
و قد تجلت هذه الوضعية في “المزايدات ” و “رفع سقف المطالب” التي قدمتها الاحزاب التي اتصلت بها الحركة من اجل دعوتها للانضمام للحكومة التي يتعين عليها تشكليها في اسرع الاوقات في ظل ضغط متزايد من المنظمات الوطنية و قطاعات واسعة من الراي العام .
برغم ان الذين يرفضون الانضمام للحكومة يشيرون الى انهم لن يعترضوا عليها فان ذلك لا يطمئن حركة النهضة بل يثير مخاوفها لان استقرار الحكومة و تمكنها من “تمرير سياساتها ” عبر القوانين هو الاهم و هو شرط الاستقرار و النجاح .
حركة النهضة تدرك ايضا ان اليسار الذي غادر البرلمان يمتلك من خلال حضوره في الساحة الاجتماعية و من خلال ملف الجهاز السري و الاغتيالات السياسية اوراقا يمكن ان يشاكسها بها و ان يربك و لو قليلا اداءها  رغم انها تدرك انها في وضع افضل من بقية الاحزاب السياسية خاصة و ان ديناميكية الانتخابات التشريعية و الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية قد سمحت لها باستعادة الكثير من تماسكها و وحدتها التنظيمية و جعلها لا تستبعد امكانية وضع بقية الاحزاب السياسية امام فرضية الذهاب الى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها .
هذه الورقة التي تربك عددا من الاحزاب التي تخشى ان يتغير المشهد السياسي بطريقة تفقدها بعض ما كسبته من مواقع في البرلمان او كل مواقعها قد تستعملها حركة النهضة . و لكن حالة التماسك التي تعيشها حركة النهضة و عودة اغلب الاوراق الى ايدي راشد الغنوشي لا ينفي ضرورة اخذ مواقف مجلس الشورى من رئاسة الحكومة و من التحالفات الانتخابية بعين الاعتبار .
هناك موقفان داخل الحركة حول كيفية اختيار رئيس الحكومة اذ يقبل البعض ان يكون مستقلا في حين يتمسك البعض الاخر بان يكون رئيس الحكومة المقترح من اطارات النهضة .
في الحالتين فان التسريبات حول الاسماء المقترحة تكشف لتعددها شيئا من صعوبة الاختيار و من “الصراعات الخفية ” المرتبطة بشخص رئيس الحكومة التي ستشكلها حركة النهضة لان في الاختيار رسائل سياسية للداخل و الخارج في ظل ما يتأكد من ان حسابات المؤتمر القادم للحركة تلقي بظلالها على التفكير الذي تعيشه الحركة في ما يتعلق باختيار رئيس الحكومة هذا دون ان ننسى ان في الاختيار رسائل الى بقية مكونات المشهد السياسي و ايضا الى القوى الاقليمية و الدولية المعنية بالشأن التونسي .
من جهة أخرى وبعيدا عن “المناكفات” بين الأحزاب جول تشكيل الحكومة، فانه و بقدر ما تفاعلت حركة النهضة ايجابيا مع انتخاب قيس سعيد فان قياداتها لا تخفي بعض الخشية من ان تكون لرئيس الجمهورية المدعوم بتفويض شعبي غير مسبوق حسابات و مبادرات تعقد وضعيتها سواء في ما يتعلق بتنقيح الدستور او في ما يتصل بمواقف بعض المنتمين للدائرة المقربة من قيس سعيد من حركة النهضة و من الملفات التي تزعجها علاوة على ان امكانية تنظم الحراك الذي اوصل استاذ القانون الدستوري الى رئاسة الجمهورية في حزب قد يفقدها ورقة الضغط بانتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
علاوة على ان السياسة الخارجية تمثل مجالا من المجالات التي يغذي حولها الرئيس هوايته المفضلة في الغموض و التي قد تكون له فيها توجهات تتناقض مع رهانات و علاقات حركة النهضة الخارجية ، رهانات متعددة تضع حركة النهضة امام تحديات ستحدد كيفية التعامل معها مستقبلها.
 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP