تعديل القانون الانتخابي .. التوقيت الخاطيء و الرهانات السياسيوية
هشام الحاجي
حرف مشروع تنقيح القانون الانتخابي اهتمام الراي العام في تونس عن كل مشاغله التي ترتبط الى حد كبير بظروفه المعيشية التي تزداد تدهورا . و لا شك ان لتغيير الاهتمام علاقة و لو غير مباشرة بهذه الطروف لان التنقيح المقترح يتصل بالتاثير على الاستخقاق الانتخابي الذي لم تعد تفصل التونسيين عنه الا بضعة اسابيع و الذي تريده قوى الاحتجاج و المعارضة مناسبة للتغيير في حين تسعى الاحزاب الماسكة بزمام السلطة الى ان يعيد الاستخقاق الانتخابي القادم انتاج الوضع الحالي .
و اذا كان الحسم في مصير هطا التنقيح قد تاجل لبضعة ايام فانه من الصعوبة بمكان التكهن حاليا بامرين و هما قدرة التحالف الحاكم على تمرير هذا التنقيح و الشخصيات التي سيشملها و ايضا طبيعية ردود الفعل الميدانية وطنيا و دوليا لهذا التنقيح . ذلك ان الاقدام على تنقيح القانون الانتخابي اسابيع قليلة قبل الساعة الصفر للاستحقاق الانتخابي لا يمكن باي حال من الاحوال ان تكون له قراءة ايجابية لانه يعكس حالة من الارتباك و سوء التقدير و لا يمكن لكل الاسباب التي تقدم لتبرير وجاهة تقديمه ان تخفي الحسابات السياسوية التي تحرك الواقفين وراءه .
و هذه الحقيقة اكدتها كواليس الجلسة التي لم يكتب لها اليوم ان تقع في ظل تحول الامر الى ما يشبه عملية المقايضة القانونية حتى لا نقول اكثر بين اعضاء الكتل البرلمانية من جهة و صلب كل كتلة برلمانية على حدة . و يمكن القول انه يمكن تفهم اسباب هذه المقايضة و ان كان من الصعب تبريرها . ذلك انه من الصعب اقناع الراي العام بان مشروع التعديل لم يقع اعداده على مقاس شخص واحد و هو نبيل القروي و ان ما دفع لهذا التنقيح هو ما ابرزته نتائج اخر عمليات سبر الاراء من تصدر الرجل لنوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة .
و هذه الوضعية هي التي دفعت رئيس الحكومة للتجند من اجل قطع طريق الوصول الى قصر قرطاج قانونيا امام مرشح لانمطي لا يستند الى “ماكينة حزبية ” و لكنه استطاع و في ما يشبه غفلة خصومه السياسيين ان يحقق اختراقا اتصاليا لافتا و ان يبني من خلال العمل الاجتماعي شبكة من العلاقات و ان يخلق حالة من التعاطف التي لم يزدها عدم توفق “الهايكا ” في التعامل معه الا تزايدا و انتشارا .
و بما ان التوافق في نسخته التونسية ليس في عمقه الا تبادلا للمواقع و للمقايضات فان حركة النهضة رات انه لا يمكنها التخلي عن نبيل القروي الذي لا تعيش معه حالة تناقض جوهري الا اذا حصلت على اقصاء انتخابي لعبير موسي . و في الاثناء عادت حركة مشروع تونس الى مطلبها بالتقليص في العتبة الانتخابية الى 3 بالمائة و الغاء استبعاد من تحمل مسؤولية في التجمع الدستوري الديمقراطي من الاشراف على مكاتب الاقتراع .
و خلف هذه الحسابات المتعلقة بكل حزب تقف ايضا الحسابات الذاتية لكل عضو من اعضاء مجلس نواب الشعب لان المدة النيابية تشارف على الانتهاء و هو ما يدفع كل عضو للتفكير في الموقف من هذا التنقيح في ظل تفكيره في مستقبل مسيرته السياسية . و يمكن القول ان ارجاء التصويت حول مشروع التنقيح الى الاسبوع المقبل يمثل ما يمثل الهزيمة المؤقتة للاطراف التي تقف وراءه و ذلك بالنظر الى ما جندته من طاقة و جهد من اجل اغلاق الملف في جلسة اليوم .
كما تكشف هذه الهزيمة المؤقتة ايضا عن عجز في الاعداد الجيد للمعارك السياسية و عن نقص في الرؤية المبدئية للملفات و القضايا لان التنبيه الى ضرورة اقامة ضوابط قانونية تحدد الحقل السياسي و تحميه من التداخل مع المال السياسي و من توظيف العمل الجمعياتي و لتقنين عمليات سبر الاراء قد ارتفع منذ سنوات دون ان يحرك التحالف الحاكم ساكنا .
اذا كانت لعبة الكواليس قد تنجح من خلال لعبة المراوحة بين الضغط المعنوي و الاغراء في تمرير التنقيح برمته او في اعم فصوله فانه من الصعب التحكم في تداعيات و تبعات هذا التنقيح التي من الصعب ان تكون لفائدة حركة النهضة و حركة تحيا تونس .
ذلك انه لا يمكن من الناحية الاخلاقية تخليص هذا التنقيح من شبهة الاقصاء السياسي لبعض الخصوم السياسيين و هو ما يمثل دليل خوف و هشاشة و يعيد تذكير التونسيين ببعض اساليب النظام السابق الاقصائية و هو ما يمثل شرخا اضافيا يصيب رمزية “الاستثناء التونسي” .
و الى جانب ذلك فان التجارب تبرز ان “صابة الاقصاء” قد تذهب الى غير الاطراف التي مارسته اذ لا شيء يمنع نبيل القروي و عبير موسي و الفة التراس و كل من سينسحب عليه قانون الاقصاء من الدعوة للتصويت الى طرف ثالث في الانتخابات الرئاسية و هو ما يغيب على ما يبدو الى حد الان عن حسابات الساعين لتمرير هذا التنقيح.
هشام الحاجي
Comments