تونس … افتتاح الدورة الثالثة لتظاهرة “تونس مسارح العالم”: “حديقة الهسبيريدس” رحلة في عوالم النساء
تونس- 21 مارس 2025 (وات) – انطلقت مساء الخميس 20 مارس فعاليات الدورة الثالثة من تظاهرة “تونس مسارح العالم” بقاعة الفن الرابع بالعاصمة، وهي تظاهرة سنوية ينظمها المسرح الوطني التونسي إلى يوم 27 مارس الحالي احتفالا باليوم العالمي للمسرح.
وكان الجمهور على موعد خلال السهرة الافتتاحية مع عرض مسرحي من إنتاج مغربي اسباني مشترك حمل عنوان “حديقة الهسبيريدس” للمخرجة الإسبانية أليسيا سوتو. وهو عرض يمزج بين المسرح والرقص والسرد البصري والموسيقى، قدم للجمهور تجربة مسرحية غامرة استكشفت عوالم المرأة الداخلية من خلال استلهام الأسطورة والشعر والحركة.
يستمد العرض عنوانه من أسطورة “الهسبيريدس” الإغريقية، حيث كانت الحوريات يحرسن بستانا مليئا بأشجار التفاح الذهبي يرمز إلى الحماية والأنوثة والخلود. وهذا البعد الأسطوري تحوّل في المسرحية إلى استعارة لعالم النساء الداخلي حيث تتحرك الشخصيات بين المساحات الخاصة والعامة باحثات عن فضاءات للحماية والتحرر.
// “حديقة الهسبيريدس”: استحضار الأسطورة في رحلة البحث عن الذات
وجاءت مسرحية “حديقة الهسبيريدس” رحلة حسية وتأملية جعلت المتفرجين يغوصون في متاهات الذات النسائية، حيث تتقاطع المشاعر بين جملة من التناقضات كالألم والفرح والقيود والتحرر والقمع والمقاومة. وأعاد صنّاع العرض صياغتها في سياق حديث يعكس التجربة الأنثوية في العالم المعاصر. وقدمت “أليسيا سوتو” رؤية جديدة لهذه الحكاية حيث جعلت من “الحديقة” فضاء داخليا لكل امرأة ومكانا تحتفظ فيه بأحلامها وخيباتها وتحاول فيه أن تجد طريقها نحو النور.
وتحولت الأجساد على خشبة المسرح إلى لغة بصرية تحكي معاناة النساء، حيث راوحت اللوحات الكوريغرافية بين الهدوء تارة والاضطراب طورا لتترجم الصراع بين الرغبة في التحرر والقيود الاجتماعية المفروضة عليهن. وكشفت الحركات التعبيرية الراقصة عن هذا التوتر الدرامي بوضوح، إذ بدت النساء في بعض المشاهد مستلقيات على أقمشة مزركشة وملونة وكأنهن جزء من الطبيعة التي تحيط بهن، وفي ذلك إشارة إلى الأنوثة والخصوبة والتقاليد المتوارثة، بينما يظهرن في مواقف ومشاهد تعبيرية أخرى ذات بعد طقوسي تتشابك فيها الأذرع وترتفع نحو الأعلى وكأنهن في حالة تمرد جماعي ضد القهر الذي يعانين منه.
// قضايا نسوية كونية
وفي ما يتعلّق بالخصائص الفنية المميزة لهذا العمل، اعتمدت الرؤية الإبداعية للعرض على مقاربة بصرية وموسيقية متكاملة، حيث لعبت الإنارة دورا محوريا في إبراز الأجواء النفسية والعاطفية: فبينما كانت الإضاءة الخافتة ترمز إلى القيود والعزلة، جاءت الإضاءة الساطعة لتعبر عن الانعتاق والتحرر والأمل.
أما السينوغرافيا فقد وظفتها المخرجة في إثراء الطابع البصري للعرض، فالأقمشة الملونة مع نهاية العرض مثلا كانت تمثل تجسيدا لفكرة التنوع والثراء الداخلي الذي تحمله كل امرأة. أما الموسيقى، فقد جاءت مزيجا من الأنغام التقليدية المغربية والإيقاعات الغربية العصرية مما جعلها بمثابة جسر يربط بين الثقافات المختلفة ويمنح العرض بعدا عالميا كونيا يتجاوز الحدود الجغرافية.
وعلى مستوى القضايا المطروحة، سلط العرض الضوء على قضايا جوهرية تتعلق بتجربة المرأة في مختلف المجتمعات حيث تناول مفهوم الحرية الفردية والصراع بين الهوية النسائية في المجتمع. كما أثار العمل جملة من الاستفهامات حول العلاقة بين المرأة والطبيعة، واستحضر العرض كذلك رحلة النساء الوجودية عبر العصور بحثا عن المعنى والكينونة بعيدا عن القيود التي تكبلهن، ليعكس بذلك فكرة الرحلة الجسدية والروحية التي تخوضها المرأة في محاولتها للعثور على هويتها الحقيقية.
ويأتي هذا العرض في إطار تعاون ثقافي مغربي-إسباني، وسبق أن تم تقديمه في إسبانيا والبرتغال والمغرب، قبل أن يحط الرحال في تونس ضمن فعاليات “تونس مسارح العالم”.
ويعكس هذا التعاون بعدا كونيا للقضايا النسوية، إذ يؤكد أن تجربة المرأة في مواجهة القيود المجتمعية ليست محصورة بثقافة أو بلد معين بل هي قضية إنسانية مشتركة بغض النظر عن خلفياتهن الثقافية والاجتماعية وانتماءاتهن الجغرافية.
// أعمال تخاطب الفكر والوجدان
وتتواصل عروض هذه الدورة الثالثة لتظاهرة “تونس مسارح العالم”، حيث يُعرض اليوم الجمعة 21 مارس العمل “جرانتي العزيزة” للمخرج فاضل الجزيري وإنتاج الفيلم الجديد. أما يوم السبت 22 مارس، فسيكون الجمهور على موعد مع مسرحية “كيما اليوم”، وهي ثمرة إنتاج مشترك بين المسرح الوطني التونسي وشركة “الفن مقاومة”، تحمل توقيع الفنانة ليلى طوبال في الكتابة والإخراج والسينوغرافيا.
وستكون العروض الدولية بدورها حاضرة، حيث سيتم يوم الأحد 23 مارس تقديم عرض “سكر – مثلجات لجريمة لطيفة”، وهو عمل يمزج بين المسرح والرقص من تصميم الكوريغراف “عبدولاي تريزور كوناتي” من الكوت ديفوار. ويُعرض يوم الإثنين 24 مارس العمل التونسي “تحت الضغط” للمخرج ريان القيرواني وإنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف. أما يوم الثلاثاء 25 مارس، فيُعرض العمل التونسي “اعتراف” للمخرج محمد علي بن سعيد. ويكون الموعد يوم الأربعاء 26 مارس مع العرض الإيطالي “بروميثيوس – الكنغر الأزرق”، من إخراج “سيموني مانينو” وعن نص للكاتب السياسي “لورانزو مارسيلي” بالتعاون مع فنانين من تونس وإيطاليا في إطار ورشة “نوسترا سينيورا” ومجموعة البحر الأبيض المتوسط، وهو إنتاج مشترك بين مسرح “بريمن” بمدينة بالارمو الإيطالية ومهرجان الحمامات الدولي.
وتُختتم هذه الدورة يوم الخميس 27 مارس، الموافق لليوم العالمي للمسرح، بعرض مسرحية “التابعة” للمخرج توفيق الجبالي وإنتاج مسرح التياترو. وتنطلق جميع العروض على الساعة التاسعة ونصف ليلا (21:30) بقاعة الفن الرابع شارع باريس تونس العاصمة.
ويؤكد المنظمون أن تظاهرة “تونس مسارح العالم” التي تأسست سنة 2023، أصبحت اليوم منصة رئيسية للإبداع المسرحي في العالم العربي والمتوسطي، حيث تلتقي المدارس المسرحية المختلفة من أوروبا إلى إفريقيا في فضاء مشترك للحوار والتجديد. كما تمثّل مناسبة لعشاق المسرح لاكتشاف عروض مميّزة تخاطب الفكر والوجدان وتفتح أبواب النقاش حول قضايا إنسانية معاصرة في زمن أصبح فيه المسرح مساحة للمقاومة والتعبير والحرية.
Comments