الجديد

تونس اليوم:  شارع تتجاذبه الانقسامات .. و يهيمن عليه الاحباط

هشام الحاجي

تواصل الطبقة السياسية صراعاتها التي لم تنقطع في العشرية الأخيرة في ظل هيمنة مستجدات لا يمكن أن نفهم بدونها ما يمكن اعتباره ” محرار ” الشارع التونسي و ” نبضه”. هذه المستجدات تتمحور حول ما أقدم عليه الرئيس قيس سعيد في 25 جويلية 2021 من إيقاف أشغال مجلس نواب الشعب الذي يعتبر العمود الفقري و حجر الزاوية في المنظومة السياسية و القانونية و المؤسساتية لمرحلة ما بعد 14جانفي 2011 و التي فشلت في تحقيق الحد الأدنى من الوعود التي قدمتها للشعب التونسي.

هذا الفشل هو الذي جعل قطاعات واسعة من الرأي العام في تونس تتفاعل ايجابيا مع الخطوة التي أقدم عليها قيس سعيد و التي اعتبرها الكثيرون  منعرجا تاريخيا و لم ينصت الشارع لخصوم قيس سعيد و هم يعتبرون أن ما قام به هو ” انقلاب دستوري ” مكتمل الأركان.

 

قيس سعيد .. ضياع فرصة 25 جويلية

توفرت لقيس سعيد غداة 25 جويلية 2021 فرصة لم تتوفر لسابقيه لامتلاك شعبية غير مسبوقة في تاريخ الدولة التونسية. و لكن المبادرة في ” تسجيل الأهداف ” لا تكفي لان ما هو أصعب هو حسن إدارة المباراة و الحفاظ على حماس الجمهور و انخراطه و هذا ما فشل فيه قيس سعيد بمقدار يقارب مقدار فشل خصومه في تحريك الجموع و ملامسة نبض الشارع و تحريكه.

هذا يعني أن معركة سياسية هامة تهم مستقبل البلاد تخاض أمام رأي عام لا مبال لأن خيبات الأمل التي تتالت في العشرية الأخيرة ارهقته و انهكته و خلقت ما يشبه القطيعة بينه و بين الحقل السياسي و فاعليه و فشلت ” صدمة ” 25 جويلية في اعادة تجسير الفجوة بين طبقة سياسية فقدت كل مصداقيتها تقريبا و رأي عام أصبح يؤمن ، في أغلبيته، ان الطبقة السياسية هي سبب مشاكله و معاناته و لا يمكن بالتالي أن يأتي منها الحلّ. .

 

الاستقطاب السياسي من جديد

لا شك ان الاكتفاء بابراز اللامبالاة لا يكفي للوقوف على نبض الشارع التونسي حاليا و محراره . ذلك أنه من الضروري رصد ردود فعل المنخرطين في الشأن السياسي و الانصات لنبضهم .

و هنا يبدو الاستقطاب الحدي هو السمة الغالبة في ظل اقتناع طرفي الصراع انه من الصعب حدوث أمرين في المدى القصير و هما الانطلاق في حوار يمكن أن يوجد ” توافقا ” و لو مرحليا و ايضا تمكن أحد الطرفين لفائدته خاصة في ظل العجز عن الحشد و التعبئة.

هناك حالة من ” توازن الضعف ” و دخول نفق ” العجز و الاستعصاء ” الذي يضعف القدرة على الفعل و على اجتراح الحلول العقلانية. هذه الوضعية فتحت الباب امام الخطاب العنيف الذي يمارسه ” أقطاب الصراع ” في وسائل الإعلام و يتلقفه ” المريدون ” و يعيدون إنتاجه بمضمون أكثر حدة و قصووية و عنفا في مواقع التواصل الاجتماعي

 

“برود” الشارع .. و ” حرب” الفيسبوك

هذه المفارقة بين شارع نبضه فاتر لحد الآن و مواقع تواصل إجتماعي ملتهبة و متوترة غالبا ما توقع المتابع الخارجي للشان التونسي في توقعات مغلوطة لأن الإعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي لوحدها محرارا لنبض الشارع التونسي غالبا ما تجعله يتابع مسلكا لا يمكن النفاذ منه.

يبدو  ان مواقع التواصل الاجتماعي في تونس لم تتحول إلى أداة قيس موثوقة لتوجهات الرأي العام بل هي أقرب إلى أداة ” تفريغ ” شحنات الفعل و إلى شكل من أشكال التعويض عن الحركة و ” تبرئة الذمة ” و ايضا إيهام السياسين بأن لديهم اشعاعا و ارتباطا بالرأي العام افتقدوه. و ما ينطبق على مواقع التواصل الاجتماعي ينطبق على عمليات سبر الآراء التي تعاني من ضبابية تشريعية و في الممارسة يجعلها تعبيرا عن النوايا و توجيها للرأي العام أكثر مما هي انعكاس لنبض الرأي العام و لتطلعاته .

و في تقديري فان حالة اللامبالاة او المتابعة المحتشمة للشأن السياسي ستتواصل في الأسابيع القادمة و ذلك لسببين على الأقل. السبب الأول يتمثل في أن المعني الأول بالتعبئة الشعبية و هو قيس سعيد لم يحقق في الأشهر الأخيرة انجازات تذكر و يضاف إلى ذلك ما يبديه من استخفاف بالاتصال و من عجز اتصالي هيكلي عمق الانطباع بانه يمارس حكما فرديا انقضى زمنه .

و اما السبب الثاني فيتمثل في أن المعارضة قد فقدت شعبيتها و جاذبيتها و غابت لديها القدرة على التجدد و الابتكار و هو ما جعلها تعيد ، في مواجهة قيس سعيد، نفس الآليات و تقدّم نفس الوجوه المستهلكة التي لعبت دورا في الاطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي.

 

الوضعية الرخوة .. الى متى؟

و لا شك ان الوضعيات الرخوة قد لا تتواصل إلى ما لا نهاية خاصة بعد أن أخذ الاتحاد العام التونسي للشغل يبتعد تدريجيا عن دعم رئيس الجمهورية و يقترب تدريجيا من منطقة معارضيه  ( رفض الحوار الرئاسي واعلان الاضراب العام في القطاع العام والوظيفة العمومية ) حتى و ان كان يغلّف هذا الاقتراب بشعار رفض العودة إلى ما قبل 25 جويلية 2021 ، و هو أمر محسوم منذ الأيام الأولى لما بعد هذا التاريخ لأن مجلس نواب الشعب في صيغة ما بعد انتخابات 2019 قد اضحى في حكم الماضي.

تراهن المعارضة  على تأزم الوضع الإجتماعي و مزيد تأزيمه و هو ما قد يتحقق في الأيام القادمة في ظل تداعيات الحرب الروسية/ الأوكرانية  على تونس و ضعف اداء رئيسة الحكومة نجلاء بودن و فريقها الحكومي.

 

جوان، شهر ساخن

و شهر جوان مهم في سياق الاستعداد للاستفتاء على الدستور الجديد لأن رئيس الجمهورية يراهن على تواصل وضع اللامبالاة على ما هو عليه في حين يدرك معارضوه ان عدم تجنيد الشارع من شأنه أن يمنح قيس سعيد دواعي بقاء في حالة هدوء و استقرار إلى حدود نهاية عهدته سنة 2024 و ربما إلى ما بعد ذلك .

للسياسة احكامها التي لا تخضع دائما للمنطق و لتوقعات الخبراء و المحللين و يمكن أن ننهي بواقعة رواها حسنين هيكل الذي ارسله الرئيس المصري جمال عبد الناصر مباشرة بعد وصول العقيد معمر القذافي إلى دفة السلطة في ليبيا في سبتمبر 1969 ليتعرف عن قرب على حاكم ليبيا الجديد .

وروى حسنين هيكل  عن القذافي سنة 1999 , اي ثلاثين عاما، بعد اللقاء الأول معه، أنه كتب تقريرا مفصلا للرئيس جمال عبد الناصر، اعتبر فيه ان سذاجة معمر القذافي و ” براءته” تجعله لا يستطيع البقاء في السلطة لأكثر من ثلاث سنوات.

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP