الجديد

تونس اليوم: عجز سياسي و قلق مجتمعي .. القادم مخيف !

منذر بالضيافي

تعيش تونس اليوم، وفي ظل أزمة شاملة ومعقدة، زادت تداعياتها مع وباء الكورونا ( الكوفيد 19)، حالة احتقان سياسي وانقسام مجتمعي، الدولة ضعفت وبصدد التفكك، والانتقال الديمقراطي تحول الى ” غنيمة” بيد “طوائف” جديدة مستفيدة منه ، في قطاعات مختلفة، في الاحزاب ومحترفي السياسة، وفي عالم المال والاعمال وكذلك الاعلام.

كل هذا على اهميته، لا يعني ابدا ان البلاد في طور ما يمكن أن نطلق عليه ب”الحالة الثورية ” الجديدة، لكن مع ذلك نشدد على أنه من يحاول الاستهانة بما يجري ( جماعة السلطة) او تمييعه ( بعض وجوه الاعلام القديمة/ الجديدة)، فهو قطعا واهم، ولم يفهم حركة التاريخ وغضب الشعوب.

يبقى الحل في فهم ما يجري في رحم المجتمع، خاصة لدى فئة الشباب وهي الاغلبية، التي تبين بالكاشف انها تعيش في ” غربة” و ” اغتراب”، عن مكونات الطبقة السياسية، حكما ومعارضة، بما في ذلك التيار “الشعبوي”، ممثلا في رمزه الرئيسي الرئيس قيس سعيد.

تشهد تونس – الان وهنا –  مثل كامل بقية اركان العالم الاربعة ، تحولات كبرى ، لابد من التعاطي معها بجدية، والا سيكون الخسران المبين.

ما حصل في 14 جانفي 2011تبين انه مجرد انتفاضة ، اذ لم يرتق غضب الشباب المهمش الى “ثورة”، فالثورة كما نعرفها تاريخيا هي ” قطيعة” جذرية مع السابق، وهذا لم يحصل مع ” ثورتنا العتيدة”.

ما يجري في تونس منذ سقوط نظام بن علي، هو صراع حول السلطة، ويتوقع ان يشهد هذا التكالب حول السلطة، استعمال كل ” المقدرات” بما فيها ما تبقى من مؤسسات الدولة واجهزتها، والمهم هو لا الانتصار على الخصم فقط بل اكثر من ذلك الغاؤه وشطبه من الساحة، كل المقدمات بدأت تشير الى ان البلاد في زمن المتلهفين والمتعطشين للسلطة، مقبلة على المزيد من التناحر.

هناك قطيعة كبرى بين “ترف النخب” التي تتصدر الحكم، التي ما تزال رهينة جدل “سياسوي”، حول النظام السياسي وسط دعوات للمرور للجمهورية الثالثة، وعامة الناس التي لها اهتمامات ومشاغل اخرى، تنحصر في تامين العيش في ضرورياته الدنيا، بسبب انتشار الفقر وغلاء الاسعار وضبابية الاوضاع في علاقة بأمنهم ومستقبل ابناءهم، فضلا عن تضررهم من تردي الخدمات الاساسية في الصحة والتربية والنقل والبنية التحتية.

في ظل غياب افق للخروج من الازمة الشاملة والمركبة التي تعيشها تونس، فان الاوضاع مرشحة للانهيار اكثر في المجال الاقتصادي خاصة، والذي ستكون تداعياته في تصاعد الحراك الاحتجاجي، الذي سيكون عفويا وعنيفا وغير مؤطر ، بسبب عمق الازمة وغياب وسائط التأطير التقليدية التي كانت تقوم بها خاصة المنظمات الوطنية، وبالتالي سيكون المحتجين والغاضبين مستقبلا في صدام مباشر مع مؤسسات الدولة وخاصة اجهزتها (الامن والجيش).

من اسباب تردي الأوضاع ، هو حالة “الموت السياسي”، التي تعرفها بلادنا في ظل تصدر المشهد من قبل “فاعلين” ، يعيشون حالة ” امية سياسية”.

فأغلبهم لا يفقه ماهية السياسة، ولم يطلع عليها حتى في الكتب، وبلا تجربة سياسية تعد اكثر من ضرورية لتولي المناصب العليا في الدولة ( رئاسة الجمهورية ، رئاسة الحكومة وايضا الحقائب الوزارية، الولاة …).

وهي شروط تعد اكثر من ضرورية في فترات الازمات، التي تتطلب ادارة استثنائية،  و “فاقد الشيء لا يعطيه”، كما هو حال من يدبر ويدير شوءون بلادنا اليوم، وبالتالي فان المتوقع هو ان المشاكل والازمات ستتمدد اكثر ، ما سيجعل الوضع اكثر تعقيدا في المستقبل ، ليزيد في تعميق “فاتورة” الازمة.

وهو ما سيجعل كل السيناريوهات واردة ، بما في ذلك اكثرها كارثية، خصوصا وان الطبقة السياسية الحالية – حكما ومعارضة – تبين انها عاجزة عن التعاطي مع مشاكل ادارة البلاد. لأنها  – كما سبق وذكرت – تعاني من ضعف بنيوي هيكلي، في التكوين والتجربة السياسية، اي ان عقلها السياسي غير قادر على ابتداع الحلول ، وفهم ما يجري في رحم المجتمع من تحولات ، ولا ما يجري في العالم من تغييرات جيو- استراتيجية عميقة، ستعيد تشكيل العالم من جديد.

بعد فشل الاحزاب و السياسيين،  في ادارة الانتقال الديمقراطي ، الذي انطلق منذ 10 سنوات ، وانزلاق البلاد الى اوضاع كارثية غير مسبوقة ، فان تونس اليوم في حاجة لحركات اجتماعية مؤطرة ، من قبل مثقفين “ملتزمين”، الى ذلك المثقف العضوي ( الغرامشي) ، الى عالم الاجتماع مثل بورديو ،الذي قاد الاحتجاجات في باريس ومدن فرنسا، وانخرط في نضال العمال .

على مثقفينا الملتزمين والعضوين، مغادرة دائرة التقوقع والالتحام بالجماهير، وقيادة حراك الانقاذ الوطني. وهنا لابد من تنويع اشكال النضال من الافتراضي ( مواقع التواصل الاجتماعي)، الى الساحات وقيادة التحركات وضبط برنامجها وافقها وجعلها سلمية ، حينها ستكون قادرة – هذه النخب- على لعب دورها التاريخي.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP