تونس اليوم .. في الحاجة الى المصالحة الوطنية
منذر بالضيافي
العالم يتغير من حولنا بسرعة فائقة، ونحن نغرق في مشاكلنا الداخلية، لعل ابرزها ادارة التعايش بين المختلفين ، ونحول الخلاف الى عداوة.
ننفخ في رماد كل الخلافات والتناقضات ، التي حسمت في ادارتها الامم منذ قرون وتجاوزتها بلا رجعة، برغم ان مشاكلها اكثر تعقيدا من التي عندنا، بسبب تعدد القوميات والثقافات والديانات.
ولعل اكبر مثال على ذلك دولة الهند، التي تجاوزت الصين من حيث عدد السكان ، وبرغم التنوع السوسيولوجي الكبير والمعقد ، فإنها اصبحت اليوم القوة الخامسة في منظومة الاقتصادالعالمي، متفوقة على فرنسا وبريطانيا.
ونحن مع اننا حوالي 12 مليون نسمة، و لنا انسجام ثقافي واثني وحتى جغرافي، فإننا نبدع في تغذية الانقسامات وإلغاء الآخر المختلف.
والادهى من ذلك نرفض كل خطاب يدعو للمصالحة والتعايش، والاحتكام للقانون والعدالة في ادارة الخلافات والتناقضات ” السياسوية”..
لنغرق في المزيد من المشاكل والتخلف، والتفريط في ما تحقق وتراكم من مكاسب تحققت عبر مجهود اصلاحي طويل و مستمر، جعل بلادنا جديرة بالحديث عنها ” كاستثناء عربي”..
نجد أنفسنا اليوم، – للأسف – نفرط يوميا في ما تحقق، ونعود ادراجنا للوراء ، برغم ان الشعار الدارج هو : ” لا للعودة للوراء”، شعار لا يجب ان يختصر في الاستهلاك السياسي وفي ” التمكين” ” لبناء جديد”، بل لابد أن يكون مدخلا لتجاوز كل سلبيات وعثرات الماضي والاتجاه نحو المستقبل.
لكن، واذا ما استمرت الأوضاع كما هي عليه اليوم، من استقطاب وتناحر وانقسام، فإننا نبعد عن دائرة الحضارة، ونخرج رويدا رويدا من التاريخ والجغرافيا معا، ونتجه نحو الهامش و نحو المزيد من العزلة الاقليمية والدولية والحضارية أيضا، في عالم لا يلتفت للضعيف ولا يسنده .
في مواجهة الأزمة المركبة التي تمر بها تونس، تصبح الحاجة الى المصالحة الوطنية، اكثر من ضرورة، و هي كذلك في زمن الأزمات الكبرى في حياة الشعوب والامم، لذلك فهي في وضع بلادنا الحالي، التي تمر بأزمة شاملة ومعقدة، تصبح معه المصالحة الوطنية ، اكثر من ملحة وعاجلة لإنقاذ البلاد والعباد معا، فلا يمكن بناء وطن بالأحقاد، وتصفية الحسابات وتوريث الكره للأجيال القادمة.
ان في تونس مجتمع متجانس وموحد، فلا يجب ان ندمره بالانقسامات، التي توفر ارضية للصراع والتناحر، ولعل الامثلة على شعوب ونخب تفننت في تهديم أوطانها عديدة وهي اصلا لا تحصى.
في حال تونس الراهن، تصبح المصالحة الوطنية، مطلب مجتمعي بالأساس او لا تكون، وهو شرط ضروري حتى نضمن لها الديمومة والاستمرار، وهي ليست مغالبة او انتصار لهذا الطرف او ذاك او لهذه الجهة او تلك.
لذلك يجب ان تكون مصالحة شاملة، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب ، مصالحة وطنية توحد ولا تقسم، حينها فقط تكون رافعة لإنقاذ تونس، من الصعوبات الكبيرة، التي تهدد وحدة المجتمع وكيان الدولة ، في محيط إقليمي ودولي متلاطم الامواج.
Comments