تونس اليوم: مجتمع قلق ودولة مريضة
كتب: منذر بالضيافي
الشأن الجاري، في تونس اليوم يفتقد للمعنى، و على جميع المستويات، فحيثما تولي وجهك تلاحظ ذلك .. مسجد قلق، أحزاب قلقة، مؤسسات قلقة، مجتمع كله في حالة قلق .. حالة قلق جماعي .. تونس اليوم “مريضة حسا ومعنى”، كما قال المؤرح بن أبي ضياف، في كتاب ” الاتحاف”..
تونس اليوم، سلطة حاكمة بلا برنامج، سلطة منقسمة ومشتة، ومصدومة من حقيقة الاستحقاقات التي تواجهها، والتي لا تملك حلولا لها، وأيضا معارضة تقليدية احتجاجية بلا عمق جماهيري، ما سمح بصعود التيارات الشعبوية، التي يصعب التحكم في مساراتها وتوجهاتها، خصوصا في ظل تزامنها مع ارتفاع منسوب أزمة الثقة في النخب والسيستام ، وهو ما ترجمته نتائج الانتخابات الأخيرة، التي أتت برئيس من خارج المنظومة / النسق.
كما نلاحظ اننا وبعد اكثر من ثمانية سنوات ونصف من الثورة، قد انتقلنا من ” دولنة المجتمع” كما يقول عالم الاجتماع التونسي عبد الباقي الهرماسي، حيث كانت الدولة تهيمن على المجتمع بذراعيها الأمني ( البوليس) والسياسي ( حزب التجمع) ، انتقلنا اليوم الى ما أصبح يسمى ب ” تغول ” المجتمع على الدولة ومؤسساتها ، حيث تم استضعافها كمقدمة لا يستبعد أن ينجر عنها تفكيكها.
في المقابل نجد أن المجموعة الدولية ما تزال تواصل وان باحتشام الاحتفاء بالأنموذج التونسي، لكن شجرة نوبل لا تخفي غابة المشاكل والتحديات التي تواجه البلاد، خاصة في المستويين الاقتصادي والاجتماعي فضلا عن المخاطر الأمنية في محيط اقليمي تغلب عليه مظاهر عدم الاستقرار، ومع ذلك ما تزال ارادة الحياة وحبها قوية لدي التونسيين، وما زال التونسيين يرفعون شعار “الشعب يريد”.
تتواصل ارادة هذا الشعب قوية، هذا الشعب، الذي يرفض باصرار ثقافة الموت، وان اختار شبابه اليائس الارتماء في أحضان جماعات صناعة الموت (ارتفاع مخيف ولافت لعدد الشباب المنتمي للجماعات المتشددة والإرهابية خلال السنوات الأخيرة) او ركوب قوارب الموت هروبا نحو عالم الرفاه كما يتخيل لهم، لكن إرادة الحياة هي الاقوى برغم الالام والمحن،
لكن الصعوبات والتحديات، لا تحجب عنا أن تونس قادرة على نحت “أنموذج”، مبني على التسامح والتعايش، ويقبل بالحوار كاطار لادارة التنوع والاختلاف. قيم ضاربة في تاريخ هذه البلاد، استمدتها من جغرافيتها المتوسطية التي تعاقبت عليها الحضارات.
هذه الجغرافيا المطلة على كل جغرافية العالم، جعلت من قرطاج/تونس مدينة متروبيتالانية، مدينة اشتهاها العالم، كما القسطنطينية.
Comments