الجديد

تونس اليوم : مجتمع قلق ودولة مريضة

منذر بالضيافي

تمر تونس، منذ أكثر من عشرية بمرحلة صعبة بل مؤلمة، وذلك بالنظر الى ما خلفته من أزمات شاملة ومركبة، كانت لها ارتداداتها على السلبية على المجتمع بكل فئاته، وقد زاد وباء الكوفيد19 في تعميق الجراح.

وهو الذي فرض “نمط عيش”، لا يتناسب و واقع الكثير من مكونات مجتمعنا، بالنظر لظروف معيشها، اذ أن أغلبها يعاني من التهميش والفقر، الذي يفرض مسابقة الزمن لضمان البقاء.

وبالتالي لا يمكن له “الاعتكاف الصحي” في البيت، فضلا على أن الكثير من البيوت غير مجهزة أصلا للبقاء فيها، بسبب ضيقها وتعدد أفراد العائلة، وهو ما خلق “تمرد” مجتمعي داخلي – وان كان غير معبر عن نفسه – لكنه كالبركان الذي لا نعرف متى ينفجر.

مقابل هذا الوضع “المجتمعي الهش”، فان ادارة  الشأن العام، يفتقد للمعنى، على جميع المستويات، ليزيد في تعميق “الحيرة”، فحيثما تولي وجهك تلاحظ ذلك، مسجد قلق، أحزاب قلقة، مجتمع قلق .. حالة قلق جماعي.

وما يزيد في حالة “القلق المجتمعي”، هو وجود سلطة حاكمة بلا برنامج ومصدومة، من حقيقة الاستحقاقات التي تواجهها، والتي لا تملك لها حلولا، ومعارضة احتجاجية بلا عمق جماهيري.

يجري ذلك، وسط حديث عن شيوع الفساد بمستويات فاقت كل الحدود، وهي ظاهرة تهدد بخراب العمران لأنها تفسد الاجتماع البشري، فضلا عن انها اصابت مسار الانتقال السياسي في مقتل، الذي يشهد حالة موت سريري. بل نقدر أنه اصبح من الماضي.

بعيدا عن الاصطفافات السياسية والايديولوجية، فان حصاد السنوات الاخيرة والى اليوم، كشف عن غياب المشروع الوطني الجامع والموحد، وهو ما يفسر بوضعية الارتباك والعجز الرسمي (منظومة الحكم) في ادارة البلد.

هذا فضلا عن عجز لدى النخب في انتاج المعنى الذي يساعد على فهم الشان الجاري و على استباق الازمات و التحولات.

تعيش تونس اليوم، مرحلة انتقالية صعبة بل مؤلمة ، وسط ازمة شاملة ومركبة، يختلط فيها ضعف الاداء بغياب البديل .

كل ذلك مصحوبا بحالة من الانهيار القيمي الغير مسبوقة، وهو ما يبرز من خلال تمثلات عديدة في الواقع مثل انتشار الجريمة والفساد.

كما نلاحظ تفشي حالة من القلق المجتمعي العام، و التي تترجم من خلال ارتفاع منسوب التشاؤم، والحيرة والخوف من القادم.”. خاصة وان ” الجديد” لم يكشف عما “يريد”، و اختار على ما يبدو انتهاج ثنائية: “الغموض” و ” الصدمة”.

ونعني هنا  “بالجديد” ، الواقع الذي فرضته قرارات 25 جويلية، فإنها و الى اليوم لم تغادر دائرة الارتباك وغياب تصور للحكم وادارة و تسيير الدولة، ما زاد في تعميق “الحيرة” و “القلق”، في ظل تواصل  غياب منجز واضح على الارض، وتعالي الاصوات الرافضة خاصة الحقوقية، فضلا عن تغير موقف الخارج من ” التفهم” الى ” الضغط “، كلها عوامل تفرض على  قصر قرطاج ضرورة تعديل سياسته في التعاطي مع الشأن الجاري.

ولا استبعد ان الرئيس ومن حوله سيغفلون عن المتغيرات التي اشرت اليها واخذها في الحسبان، ولعل هذا ما يفسر حالة ” التردد” في الاعلان عن برنامج حكومة الرئيس التي ولدت تحت “ضغط” عالي محلي ودولي، وكذلك التأخر في تقديم اجوبة “شافية وضافية” كما يقول اهل المنطق، حول ” التجاوزات” و ” التخوفات”،  التي بدأت تكبر، والتي قد تأخذ منحى ” كرة الثلج”.

بعد اكثر من 100 يوم عن قرارات الرئيس، تعيش تونس في ظل أزمة شاملة ومعقدة، سمتها الاساسية ” التخوفات” و ” الانتظارات” وغياب الرؤية/ البرنامج، فضلا عن وجودها في ما يشبه “العزلة الدولية”، في ظل ضعف أداء الدبلوماسية التونسية.

تجد تونس اليوم نفسها في مواجهة مرحلة “فارقة” هي – دون مبالغة – الأصعب في تاريخ الدولة الحديثة، و في سياق مشهد عام، تغلب عليه حالة احتقان وانقسام سياسي ومجتمعي،

وهو وضع  قد يزداد مع بروز مؤشرات عن امكانية اللجوء الى توظيف مؤسسات الدولة،  لفرض تصور سياسي “غامض”  يلاقي رفضا واسعا حتى من قبل “أنصار 25 جويلية”، لما يمثله من تهديد لوحدة المجتمع و لكيان الدولة، التي تم اضعافها خلال العشرية الأخيرة.

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP