تونس تحتاج الى حكومة حالا
منذر بالضيافي
أربعة أيام قبل انتهاء المدة الدستورية الأولى (15 نوفمبر – 15 ديسمبر 2019)، ما زال رئيس الحكومة المكلف، الحبيب الجملي، لم يحسم أمره، حيث ما زالت المفاوضات تراوح في مكانها، بل انها عرفت فتورا هو أقرب للقطيعة مع حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب، الحزبين اللذين يراهن الجملي، على ضرورة تشريكهما في حكومته، مما سيضمن له تشكيل حكومة ، مقبولة في الداخل وفي الخارج، تكون لها “روح ثورية” تضمن لها “شرعية” في بيئتها، ولا تكون مشكلة أساسا من القوى اليمينية والمحافظة ( النهضة وائتلاف الكرامة)، حتى يكون لها الحد الأدنى من “المقبولية” الدولية.
برغم التظاهر بأنه يتحكم في سير المشاورات والمفاوضات، فان “التسريبات” القريبة من محيط دار الضيافة، تشير الى وجود صعوبات تواجه تشكيل حكومتنا العتيدة، وأن الرئيس المكلف لم يستطع تحقيق الاختراق الذي يريد، وأنه سيكون مضطرا لتشكيل حكومة وفق “الخطة البديلة”، التي تتمثل في مشاركة فاعلة ومؤثرة لحزب “قلب تونس”، الى جانب “النهضة” و “ائتلاف الكرامة”، و هو السيناريو الأقرب والمرجح الأن، اذا ما أراد الرئيس المكلف مغادرة دائرة التردد، الذي ستدفع فاتورته بلاد في أشد الحاجة الى حكومة كاملة الشرعية.
للإشارة، فان مفاوضات تشكيل حكومة الحبيب الجملي، لم تخرج عن المنهجية المتبعة في تشكيل كل حكومات ما بعد الثورة، من جهة خضوعها للمحاصصة الحزبية في توزيع الحقائب الوزارية، وكذلك طغيان الجانب “المناوراتي” ، الذي تغذى أكثر من تفشي أزمة الثقة بين الأحزاب وحركة النهضة.
فقد كانت حجة الأحزاب التي رفضت التحالف مع النهضة (التيار وحركة الشعب وأيضا تحيا تونس) غير مقنعة وغير جدية وفيها ابتزاز للحزب المكلف (النهضة) تمثل في شروط تعجيزية من قبل حزب عبو (الحصول على وزارات بعينها) ، وفيها أيضا رفض لحكم الإسلاميين (حركة الشعب) صاحبت فكرة حكومة الرئيس ، التي فيها انقلاب واضح على الدستور ، قبل استيفاء الحزب الفائز حقه الدستوري في تشكيل حكومته، وهو ما شوش على مفاوضات التشكيل وأربكها.
برغم الهنات التي صاحبت المفاوضات، سواء من حيث منهجيتها او الضعف الاتصالي، فان الرئيس المكلف، وأيضا حركة النهضة الحزب الفائز ، قد حرصا على توفير ضمانات تطمينات من شأنها أن تمكن من الوصول الى تشكيل حكومة ائتلافية، تضم التيار الديمقراطي وحركة الشعب، لقناعة مفادها أن الحكومة المقبلة، في حاجة ل”شرعية” تتحقق من خلال تواجد نفس ثوري فيها ، فضلا عن حاجتها لحزام سياسي وبرلماني.
الان وبعد فشل المفاوضات، برغم استئنافها اليوم مع التيار والشعب، اللذان سبقا وأن أعلنا عن توقيفها ، وأنهما أصبحا غير معنيان بالحكومة المقبلة، ما يؤكد ما ذهبنا اليه من عدم جدية من الحزبين، ما يجعل برأي العودة للتفاوض في خانة تضييع الوقت ، ولا أتوقع أن يحدث اختراقا في مواقف الحزبين، خاصة في ظل تمترس كل جهة وراء ما يشبه “الفيتو”، في علاقة بإصرار الجملي على تحييد وزارات السيادة ، وتمسك التيار الديمقراطي بحقيبتي العدل والداخلية.
أوضح الجملي في اخر تصريح له أنه “متمسّك بتحييد وزارات السيادة وأن الحزب الذي فوّضه لتشكيل الحكومة (حركة النهضة) اقتنع بذلك”، وأنّه وضع عددا من السيناريوهات والبدائل، حول الإئتلاف المكوّن للحكومة المقبلة كما أنه يواصل عمله واتصاله بمختلف الأطراف المعنية بتشكيل هذه الحكومة.
و قال إنه “مستعد لكل الإحتمالات، رغم تقدّم المفاوضات مع الأحزاب التي ستشارك في الحكومة المقبلة ورفض بعضها مبدأ تحييد الوزارات السيادية”، مؤكدا أنه سيعلن عن الأحزاب المكونة لحكومته.
كما علم موقع “التونسيون” ، من مصادر مطلعة على كواليس قصر الضيافة، أن حكومة الجملي، أصبحت جاهزة أيا كان مصير المفاوضات المستأنفة مع التيار وحركة الشعب، والتي تنطلق من ارادة قوية لدى الحزب المشكل للحكومة (النهضة) ، في الحرص على التسريع بإنهاء مرحلة حكومة الشاهد.
ولعل الجدل بين الطرفين الذي خرج للإعلام ، يزيد في تأكيد هذا الحرص النهضاوي، على التعجيل بالإعلان عن حكومة الجملي، وبالتالي القطع أو فك الارتباط مع الشاهد الذي لم تصوت كتلته للغنوشي في رئاسة مجلس نواب الشعب.
و يرى بعض النهضويين، أن استمرار الشاهد في القصبة أصبح مزعجا لهم، وهو الذي اخرج خلافه معهم الى العلن، بكل تحد و ندية في ما يتصل بموضوع التعيينات.
ان النهضة والجملي، لن يتراجعا وسيذهبان في خيار تشكيل الحكومة، قبل نهاية المدة الدستورية الأولى ، و بمن حضر وذلك عبر “تحالف الضرورة “، مع حزب “قلب تونس” وائتلاف الكرامة ، لان التراجع سيكون مكلف سياسيا وداخليا للنهضويين. وانها بخيارها هذا ستجعل الجميع أمام الأمر الواقع، وتظهرهم في مظهر المعطل والغير مقدر للحاجة للتسريع بتشكيل الحكومة.
Comments