تونس تغرق .. ما الحل ؟
منذر بالضيافي
مثلما هو الحال في كل مناسبة تتهاطل فيها كميات هامة من “الغيث النافع”، تغرق العاصمة تونس والمدن الكبرى، وتتعطل فيها أو تكاد جل المناشط والمرافق الحياتية الضرورية، وتتحول الأمطار من رحمة وخير وبركة، الى كابوس يهدد الكثيرين من التونسيين في أرزاقهم وممتلكاتهم وحتى حياتهم.
ان هذه الكوارث المتكررة، تكشف وفي المقام الأول عن شيوع الفساد خاصة ذلك المرتبط بمشاريع الأشغال الكبرى والبينة التحتية من طرقات وغيرها، هذا الفساد الذي أصبحت له في بلادنا بنية تحتية متينة، أكثر وأشد من البنية الاساسية الأرضية المتهالكة والمتقادمة والمتداعية للسقوط.
وان كان السواد الأعظم من المتابعين خاصة من المسيسين، ولأسباب أو بالأصح لحسابات سياسيوية يقرن انتشار هذه الظاهرة (الفساد) بالحكومات التي تعاقب بعد الثورة. فانه لابد من التوضيح بأن ظاهرة الفساد التي أصبحت خطرا و بأسا من الارهاب بشهادة حكام تونس اليوم، لا تعود ولا ترتبط بالحكومة الحالية لوحدها، وهذا ليس دفاعا عنها أو تبرئة لذمتها، فهي أيضا تتحمل جزءا من المسؤولة وهناك من يذهب حد القول بأن البعض من أفرادها أو من المحسوبين عليها ترتبط بهم شبهات فساد.
لكن أعود وأقول، أن الفساد تحول في بلادنا الى سرطان ينخر المجتمع وجل مؤسسات الدولة، أعمق بكثير اذ تعود الظاهرة الى العشرية الأخيرة من الحكم الذي قامت عليه ثورة 14 جانفي 2011، لتستمر وتكبر وتنمو وتترعرع في ظل ضعف مؤسسات الدولة، وضعف حكومات ما بعد الثورة، التي تفتقد للتجربة والكفاءة وكذلك البرامج والتصورات، فضلا عن أن اصرارها على البقاء والاستمرار في الحكم، جعلها تركن لممارسات تفوح منها رائحة الفساد.
ليلة أمس الثلاثاء، غرقت عدد من مناطق تونس، في مياه الأمطار، اوضاع لا نبالغ أنها ستزيد في متاعب حكومة الشاهد، وأحزاب الائتلاف الحاكم، وذلك عشية استحقاق انتخابي رئاسي وتشريعي هامين.
وبعيدا عن المزايدات الانتخابوية، التي تابعناها في الحملات وفي المناظرات، نقول ان دولتنا العتيدة ضعفت، وفي طريقها للتفكك، في ظل تراجع غير مسبوق في كل الخدمات الأساسية، يحدث هذا في ظل غياب اتصالي من الإدارة ، وفي ظل غياب استراتيجية وطنية في التعامل مع الكوارث والأزمات، ما يعبر عن حالة اللامبالاة التي أصبحنا نعيشها في إدارة الشأن العام، والتي تكررت لدرجة أننا في طريقنا للتطبيع معها.
بعيدا عن ان يكون كلامنا قد يفهم منه تجني او معارضة عدمية للحكومة الحالية، وهذا ليس دورنا وان كنا نتمسك بحقنا في النقد وكشف العورات، فلابد من الإشارة – ومثلما أشرنا لذلك – الى ان ما يحصل هو أيضا نتيجة تراكم ، بدا سنوات قبل انهيار حكم بن علي ، وتواصل خلال الثمانية سنوات الأخيرة، وبالتالي فان النتيجة الحالية والتي تنذر بالمزيد من الأسوأ ، لا يمكن ان تتحمل وزرها الحكومة الحالية لوحدها ، التي مع ذلك قد تدفع الفاتورة لأنها من يمسك بالوضع، ومن يديره وبالتالي هي من توجه لها الاتهامات، ويقع تحميلها المسؤولية.
لابد من تجاوز حالة التناحر الحالية وفتح حوار وطني كبير يشخص الحالة الراهنة كما هي ماثلة في الواقع ويرسم السياسات، حوار يشارك فيه الجميع لإنقاذ البلاد بعيدا عن منطق حرب الكل ضد الكل، التي سادت خلال الفترة الأخيرة، فلا يمكن تجاوز ما نحن عليه الا عبر وحدة وطنية جامعة توفر المناخ المناسب للشروع في الإنقاذ والبناء.
ولتكن البداية، من خلال فتح ملف الفساد والابتعاد به عن منطق تصفية الحسابات والتوظيف السياسي، فلا بد أن تكون معركتنا على الفساد تحت شعار “أم المعارك”، فهو الذي يخسرنا سنويا نقطتين في النمو (كل نقطة توفر حوالي 20 ألف موطن شغل)، كما أنه أصبح يهدد استمرار مسار الانتقال الديمقراطي، فلا يمكن أن تتعايش الديمقراطية الناشئة مع غول اسمه “الفساد”.
Comments