الجديد

هشام الحاجي

تونس في زمن  الكورونا .. انهيار قيمي وتفكك مجتمعي

كتب: هشام الحاجي

تتعدد السلوكات التي تؤكد أن التعاطي مع الأزمات و المستجدات يتغير من مجتمع إلى آخر و من حقبة إلى أخرى داخل المجتمع الواحد. و يبدو سلوك التونسيين مع فيروس كورونا بعيدا في أغلب الأحيان عما يقتضيه الظرف من التزام صارم بالتعليمات، و من الالتقاء حول قيم مشتركة، تساهم فى تخفيف وطأة الحدث و تيسر مقاومته.

يبدو سلوك التونسيين مختلفا عن سلوكهم خلال الأيام الأولى التي اعقبت ثورة  14 جانفي 2011 و هو ما يطرح السؤال حول أسباب هذا التغير؟.

تبنى التونسيون منذ مغادرة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي أرض الوطن سردية الثورة التي تفتح الباب أمام الحلم بغد أفضل، شرعوا منذ تلك اللحظة في الانخراط فيه من خلال إعلاء قيم التضامن و احترام القانون في تفاصيل حياتهم اليومية، و تجنب اللهفة و إعتماد بعض آليات التسيير الذاتي للأحياء السكنية، و قدموا لبضعة أيام صورة إيجابية عن أنفسهم، و عن المجتمع الذي يطمحون إلى إقامته.

مع الإقرار بأن مواجهة فيروس خطير و قاتل تربك إلى حد كبير الأفراد و الجماعات، فإن ما يبرز حاليا من طغيان الأنانية،  و البحث عن الخلاص الفردي، و استغلال الظرف للإثراء من خلال المضاربة و والاحتكار ، يؤكد أن حلم 2011 قد تلاشى و تحول في بعض جوانبه إلى ما يشبه الكابوس..

تلاشي الحلم لا يتحمل مسؤوليته التونسيون بمفردهم ، بل بالدرجة الأولى الطبقة السياسية التي تناست دورها في الإنجاز، و في تحويل الحلم و لو على مراحل إلى واقع، و انخرطت في خصومات و تجاذبات لا تعني المواطن، الذي سرعان ما أصابه الإحباط ، و ابتعد عن الشأن السياسي.

و هو ما يتجلى في تراجع نسب المشاركة في الانتخابات، و ضعف الانخراط في الأحزاب السياسية ، التي تخلت عن أحد ادوارها المهمة و هو تأطير المواطنين و الارتقاء بوعيهم.

أخذ المجتمع يتحول من مشروع مجتمع متماسك إلى “غبار من الأفراد “، حسب عبارة الزعيم الحبيب بورقيبة، و مما عمق هذا المسار تراجع دور المؤسسة التربوية، التي تحولت من مؤسسة دامجة إلى مؤسسة طاردة ، إلى جانب التفكك الأسري و تقلص مصداقية الإعلام،  الذي لم تزده “تقليعة” تلفزيون الواقع على الطريقة التونسية، إلا نشرا لنماذج سلبية و ابتعادا عن المواطن و عن التأثير الايجابي فيه.

كما برزت سلوكات فيها أنانية و حالة من الانفلات السلوكي و الأخلاقي، هي في الواقع  تمثل دليلا اضافيا على ضعف الدولة،  و على تقلص الثقة فيها ، خاصة و أنها قد أبرزت عجزا في مستوى الإنجاز، و إحترام القانون و تحول احترام المواطن و حقوقه إلى ما يشبه الخشية من تطبيق القانون، و على خوف من المستقبل و هو خوف يمكن تفهم بعض جوانبه في التدمير الممنهج لكل منظومات الإنتاج الفلاحي و الصناعي.

مع ما في ذلك من إحالة إلى غياب المدخرات و هو ما “يبيح ” سلوك اللهفة و التخزين خاصة و أن الحكومة تتواصل مع المواطن في ما يتعلق بالتداعيات المتوقعة للكورونا بأسلوب القطرة قطرة.

أما  الاحزاب التي يعتبر عددها قياسيا فالملاحظ أنها لا تلعب أدنى دور في التأطير و التثقيف و التوجيه.

الجوانب السلوكية التي ظهرت تتصل بالرؤية القطاعية و الفئوية و الجهوية و الآنية التي ظهرت و تضخمت منذ 14 جانفي 2011 و التي يسايرها أصحاب القرار دون مواجهتها بالقانون و قد انعكست نزعة المسايرة المدمرة في بعض جوانب الكلمة التي القاها البارحة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ.

إذ جعل الحجر الصحي على أهميته أمرا اختياريا بداعي التعويل على وعي مواطن اثبت للاسف أنه يفتقد في أغلب الأحيان للوعي و أن حالات الوعي التي يعيشها او يدعى عيشها قد تعود به عقودا إلى الوراء.

لا نبالغ بأن تونس اليوم تعيش انهيار قيمي ومجتمعي جاء فيروس كورونا ليزيد في تعريتها وكشفها .

ان السلوك الذي أظهره قطاع كبير وواسع من المجتمع التونسي  قد يزيد في تعميق الوضع خاصة و أن لفيروس الكورونا تداعيات اقتصادية مدمرة مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على المستويين الاجتماعي و السياسي.

 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP