تونس في عزلة !
شعبان العبيدي
مرّة أخرى و في أقل من أسبوعين يضرب الإرهاب المجتمع الفرنسيّ، ويزيد في زرع مزيد من الذّعر والدّهشة داخليا وعالميا، خاصّة وأن العمليات الإرهابيّة الأخيرة تأتي بعد الخطاب الّذي ألقاه الرئيس الفرنسي “إموانيل ماكرون” الذي تحدث في عن كون “الاسلام في أزمة” وعودة قضية الصّور المسيئة للرّسول من جديد، وما انجرّ عنها من مهاترات ودعوات تقودها دوما لوبيات متمترسة خلف قناع الدّفاع عن المقدّس، من المشرق إلى المغرب إلى آسيا، وفي بلدان يعجز فيها هؤلاء حتّى عن توفير الغذاء لأنفسهم.
تأتي اليوم الخميس 29 أكتوبر 2020 حادثة الاعتداء الإرهابي الغاشم في نيس جنوب فرنسا من طرف مهاجر غير شرعي تونسيّ الجنسية حسب آخر التصريحات وهو إبراهيم العيساوي البالغ من العمر 21 سنة، الذي اعتدى على كنيسة نوتردام في قلب عاصمة ” كوت دازور” السّاحلية وقتل منها ثلاثة أشخاص بواسطة سكين. ليتمّ إطلاق النّار عليه من طرف الشرطة ونقله إلى المستشفى.
مرّة أخرى تعود البلاد التّونسية دولة وشعبا إلى واجهة العالم تحت عنوان مصدر للإرهاب، والبلاد تعيش مرحلة حرجة وأزمة مضاعفة يقودها ثلاثة جنرالات من الوحوش المدّمرة التي تهدّد بمصير مخيف وهي الفيروس التّاجي الّذي بات يفتك بالأرواح مع عجز شبه كامل عن التصدّي له في ظلّ استمرار الهدم المتواصل لمؤسسات الدّولة العموميّة من تعليم وصحّة ورعاية اجتماعية بسبب استشراء الفساد لوبيات الفساد السياسي، الذي كان منحصرا في جناح محسوب على السلطة ليتحوّل بعد الثورة إلى الانتشار مع تفريخ أعشاشه.
إضافة إلى شبح الإفلاس التّام مع ضعف الدّولة بعد الثورة واستغلال ذلك الوضع من طرف النقابات خاصّة واللوبيات السياسيّة الفاشية والرجعية لتركيع الدّولة لتفرض عليها تحت مبدإ القوّة والخطاب الثوريّ الملطّخ بماض التآمر مع الديكتاتوريّة إتاوات وزيادات وإكراهات لم تحققّها طيلة 23 سنة في عهد النّظام السابق في الوقت الذي كان ينتظر فيه شباب الثورة المعدم وجحافل البطالين من أصحاب الشهائد والمحرومين والفقراء المهمشين في الجهات أن تفتح لهم ثورتهم نافذة حلم لحياة كريمة.
لكنّ منطق العداء والشماتة ومحاولة التغطية على الفساد المقنّع دفع بهؤلاء أن يعملوا ما بوسعهم لإفشال الثورة وإفراغها من قيمها تحت لافتة محاربة النّهضة. ولكن للأسف نقول لهؤلاء لقد أجرمتم فعلا في حقّ الفقراء والضعفاء والموظّفين، فأنتم لم تصلوا إلى إزاحة النّهضة وتذويبها بل ذوبتم آمال أجيال في حماية بلادهم ورؤيتها تعود إلى ارتقاء درجات التقدّم والنّهوض.
وأمّا الجنرال الثالث فهو الإرهاب الذي اكتوت به البلاد التّونسية وراح ضحيته مئات الشهداء من الأبرياء في الأمن والجيش و المواطنين والسياسيين بأياد إرهابيّة تونسية وقع توظيفها وتدريبها ودعمها لقتل النموذج المجتمعي التونسيّ، ها هي الأيادي التونسية الّتي تسافر عبر البحار في إطار الهجرة السريّة متعلّلة بانعدام مواطن الشغل و بالبطالة والحرمان و انعدام الكرامة على تربة هذا البلاد لتبحث عنها فيما وراء البحار بين بلدان أوروبا عبر إيطاليا تكشف عن إرهابيّ في مقتبل العمر، متسلّل غير شرعيّ لبلاد الحريّة والحضارة التي تحتضن آلاف بل ملايين المسلمين مواطنين منها وإليها. لينغّص عليهم حياتهم.
ما حدث اليوم في مدينة “نيس” الفرنسية، وما تتداوله وسائل الإعلام تحت عناوين كبرى” منفذ العملية شاب تونسيّ في مقتبل العمر، يدخل كنسية ويقتل ثلاثة من روّادها، ويصاب برصاصة في الكتف، وتحمله الشرطة إلى المستشفى وهو يردّد اللّه أكبر” فضيحة وعار لا يمحى من جباه تجّار السياسة في بلادنا الّذين احترفوا الشعبويّة والنفاق والعداء المسعور ضدّ أبناء جلدتهم، واكتفوا طيلة 10 سنوات ببيع الكلام في سوق المزايدات السياسية. وهم يدركون أو لا يدركون أنّهم بخطاباتهم وعنفهم وما يروّجون له إنّما كانوا يرضعون الإرهاب لمثل هؤلاء من المستعدين لبيع أنفسهم من أجل دينار أو وعد زائف بالجنّة.
ليهنأ رافعوا أولوية الحرب المقدّسة باسم الدّفاع عن المقدّسات الإسلامية بسبل مقاطعة السلع الفرنسية وباسم التنديد والبيانات واستدعاء السفراء، ها قد جنيتم حصادا دمويّا بهذا الشحن الذي تخوضونه خلف الشبكات العنكبوتية، فابشروا بالجحيم الأرضي. ليهنأ الذين يخوضون حروبا باسم السّماء وهم يفتقرون لأدنى قيم التعايش والعقلانية… فلا ربح ماكرون حين أخفق في التواصل… ولا ربحتهم إلاّ مزيدا من تعميق جراح تونس شعبا ودولة وقدّمتم من جانبكم مبرّرات لمزيد عزلها، حين أقدم هذا المبــــــعوث بخطاباتكم وبتكليف من تنظيمات الدولة الإرهابية ومشتقاتها ليحقّق عدالة شيطانية تحت مسمّى عدالة الهية. يقتل المسيحيين وربّهم واحد. إنّها استعادة مرّة لقصة قابيل وهابيل.
اليوم وأنا أسمع هذا الخبر على الأثير، هالني الأمر ونظرت فرأيت بلادي في شبه عزلة بين فتك الفيروس الطبيعي أو الإرهاب الطبيعي الذي لا يفرّق بين الأعمار والأجناس والطبقات، وبين الفيروس الإرهابي البشري الذي أعادنا إلى صدارة العالم في أسوأ ما كنّا نتمنّى ألاّ يكون من بلدنا، بلد الحضارة والتسامح والفكر الحرّ.
سأكتب هكذا وأجرح الحقائق، وأكشف ما لم يجرأ كثير على الحديث فيه من فساد جهات ترى نفسها محميّة ومحصّنة، سأكتب بهذا الأسلوب ضدّ الشعبويّة والنّفاق المجتمعيّ المقنّع باسم المنظّمات، سأكتب مادام بلدي اليوم هو الذي يدفع ثمن صراعات الحمقى ودعوات أنصار داعش والمتقنّعين بأقنعة الفقهاء لأترحمّ على أرواح شهداء الكنسية الذين سقطوا اليوم غدرا في فرنسا ومن سبقهم منهم أستاذ التّاريخ.
Comments