تونس لن تكون بخير في السنوات والعقود القادمة !
بقلم عماد بن عبدالله السديري
جميع المؤشرات التنموية في تونس تؤكد أن بلادنا لا تسير في الطريق الصحيح. فبنسبة نمو اقتصادي بلغت 1.1% لا غير في السداسي الأول من العام 2019 لا يمكن للشعب التونسي إلا أن يستعد لما هو أسوأ في الأشهر والسنوات القادمة إذا استمرت الأوضاع على حالها. لقد تأكد اليوم أن بلادنا مفلسة تنمويا وعاجزة فكريا عن الخروج من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية الخانقة. ولكي نفهم خطورة هذه الأزمة، فمن الأهمية بمكان فهم المعنى الحقيقي لنسبة 1.1% نمو اقتصادي. فحجم الاقتصاد التونسي كما هو معلوم للجميع من خلال قياس الناتج المحلي الإجمالي (PIB) يبلغ حوالي 40 مليار دولار أمريكي لا غير بحسب آخر البيانات الرسمية.
وباحتساب نسبة النمو الاقتصادي مقارنة بحجم الاقتصاد التونسي يتبين أن الشعب التونسي قد تمكن بعد ستة أشهر كاملة من العمل والإنتاج من أن يضيف إلى حجم اقتصاده الوطني حوالي 400 مليون دولار لا غير. وإذا قسمنا هذا المبلغ الضعيف والمخجل على جميع المواطنين التونسيين، فإن هذا يعني أن كل مواطن تونسي قد أضاف إلى ثروته 35 دولار أمريكي لا غير، أي أن كل مواطن تونسي قد أضاف إلى ثروته الشخصية 100 دينار تونسي لا غير بعد ستة أشهر كاملة من التعب والكد والإرهاق والمعاناة.. هذه الأرقام الصادمة تعبر بشكل دقيق عن واقعنا التنموي المتأزم جدا، إذ وصلنا اليوم إلى مرحلة العجز التام والشامل عن العمل والإنتاج وإيجاد بدائل تنموية جديدة للتوسع اقتصاديا والتقدم تنمويا.
بل وبحسب قاعدة بيانات صندوق النقد الدولي (IMF)، فإن تونس لم تتوقف عن التقدم وبناء ثروة وطنية فحسب. بل إن الشعب التونسي بصدد التراجع بحسب مؤشر الدخل الفردي الذي تهاوى بشكل حاد خلال السنوات القليلة الماضية من حوالي 4200 دولار أمريكي في العام 2014 إلى 3423 دولار أمريكي في العام 2018. ويذهب صندوق النقد الدولي أبعد من ذلك في توقعاته السلبية بشأن تونس، إذ يتوقع أن ينهار الدخل الفردي للمواطن التونسي إلى حدود 2950 دولار أمريكي مع نهاية العام 2020، أي أقل مما كان عليه الدخل الفردي للمواطن التونسي في العام 2005. وبالإضافة إلى ذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي ألا يتجاوز الدخل الفردي للمواطن التونسي حوالي 3740 دولار أمريكي في العام 2024، أي أقل مما كان عليه قبل 10 سنوات في العام 2014 ومما كان عليه قبل 15 سنة في العام 2010.
في واقع الأمر، لا تقف سلسلة الأرقام المخيفة عند نسبة نمو الاقتصاد التونسي أو حجم الناتج المحلي الإجمالي أو الدخل الفردي للمواطن التونسي فحسب. بل توجد بيانات أخرى كثيرة تؤكد أن بلادنا مستمرّة في التخبط في أزمة تنموية عميقة وحادة، أزمة أساءت لنا الكثير وستمعن في الإساءة إلينا أكثر فأكثر في المستقبل. فعلى سبيل المثال، إلى اليوم لا تزال نسبة البطالة تراوح 15% ونيف، وهو ما يعني أن حوالي مليون مواطن تونسي ممن تتجاوز أعمارهم 15 سنة لا يزالون يبحثون عن عمل قار يحفظ كرامتهم ويصون إنسانيتهم ويمكّنهم من المساهمة الإيجابية في دفع عجلة التنمية في بلادهم.. أما الأمية فهي أيضا تراوح نسبة 20%، أي أن هناك حوالي 1.5 مليون تونسي وتونسية ممن يعيشون بيننا اليوم وهم لا يجيدون الحد الأدنى من القراءة والكتابة والحساب. وفي هذا الصدد يؤكد البنك الدولي في آخر تقرير له في العام 2018 بشأن رأس المال البشري أن الأجيال الحالية والقادمة من أطفال تونس سيخسرون 50% من إنتاجيتهم عندما يبلغون سنّ الثامنة عشرة بسبب السياسات التربوية المتخلفة التي تعتمدها الدولة التونسية، وهو ما يعني عمليا أن الفشل التنموي الحالي سيتسمر بحسب المؤشرات الحالية في حرمان الشعب التونسي من تحقيق نقلة تنموية حقيقية حتى أفق العام 2030.
في الختام، ما يمكن التأكيد عليه من خلال هذه المؤشرات التنموية الأساسية ذات النفس السلبي المقلق جدا، وفي ظل ما تمر به البلاد من أزمة سياسية عنوانها الأبرز انعدام الثقة وصعود التيارات الانتهازية وغياب رؤى تنموية بديلة جادة أن مستقبلنا لن يكون بخير وأن تونس ستعيش حتما تحديات تنموية كثيرة ومؤلمة في السنوات والعقود القادمة إذا استمرت الأوضاع على حالها.. فالشعوب لا تنهض ولا تتقدم بالتمني أو بالمشاهدة أو بتبادل السب والشتم أو بتفويض الانتهازيين والمتسلقين للتحكم في مصائرها.. لا بد للخيرين والخيرات، للصادقين والصادقات أن يلتقوا من أجل تونس ومنعتها، وإلا فمستقبل مظلم ينتظرنا جميعنا حتما.
Comments