تونس ما بعد الكورونا .. الخروج الآمن
بقلم: خالد شوكات
ستخرج تونس خلال أيام باذن الله من أزمة الكورونا بأخف الأضرار، قياسا بدول العالم جميعاً، وخصوصا منها الدول المتقدّمة الواقعة قبالتنا، والتي لا تفصلها عنّا الا عشرات الكيلومترات من مياه المتوسّط..
خروجنا بأخف الأضرار يعود الى عدّة اعتبارات من بينها اداء جيد للقيادة السياسية التي قادت الحرب، وانضباط معقول لغالبية التونسيين الذين عبّروا عن وعي ورقي واستعداد للتضحية، بصرف النظر عن بعض المشاحنات التي تعتبر طبيعية في اجتماع انساني لا يمكن ان يخلو من نقص او ضغينة..
وكذلك لاعتبار اخر لا يوافقني بعض التونسيين عليه، ولهم مطلق الحرّية في ذلك، ألا وهو لطف الله بهذه البلاد وعنايته بها، فتاريخ الجوائح والأوبئة – بالمعنى العلمي للكلمة- يؤكد هذه الحقيقة، وطبعاً لا يفسرّها، فليس بمقدور العلم ان يفسّر كل شيء دائما، وهناك مجال للميتافيزيقيا دائما رغم الحساسية التي تسببها للبعض منّا.
علينا ان نعلم ان أزمة الكورونا هي أزمة غير مسبوقة في تاريخ البشرية. لا شيء فعل بالبشرية على امتداد عشرة الاف سنة من التاريخ البشري المعروف مثلما فعلت بها الكورونا.
لهذا يفترض بِنَا ان نتوقف عندها كدولة وحكومة ومجتمع جيّدًا ومليّا. علينا ان نستخلص منها الدروس والعبر وان نبني سياساتنا من هنا فصاعدا بشكل مختلف، وأولها اننا قد نواجه أزمات من نوعها، وربّما اخطر من ذلك.
أزمات قد تهددنا في وجودنا، كشعب وأمة وانسانية. أوّل هذه الدروس في رأيي ما يلي: – علينا العودة الى رفع شعار “نأكل مما نزرع ونلبس مما ننصنع”.. على تونس ان تضمن اكتفاءها الغذائي وان تجعل من الأمن الغذائي ثابتا من ثوابتها..
يجب ان يكون لديها القدرة على توفير حبوبها وزيتها ولحمها وحليبها وخضرواتها وبيضها وفاكهتها على نحو يكفي شعبها ويغنيها عن استيراد اي من هذه المواد.. الجوع هو العدو رقم واحد للإنسان، وعندما يتأزم العالم ستمنح كل دولة الاولوية لشعبها وستغلق حدودها..
سقطت نظرية السوق العالمية سقوطا مدوّيا.. قد يكون لديك المال الكافي ولا تجد من يبيعك احتياجاتك من أجل تبقى حيّاً. –
علينا ان نوفر الكفاية من الكهرباء والماء.. في مجال الكهرباء علينا تسريع مشاريعنا في الاعتماد على الطاقات البديلة والمتجددة وعلى رأسها الطاقة الشمسية.. وفيّ مجال الماء ليس أمامنا من حلّ الا تحلية مياه البحر.. تحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية حل ممكن ومثالي. –
علينا ان نصنع دواءنا.. الدواء والمواد شبه الطبية.. لدينا القدرة على ذلك.. خبراتنا ومصانعنا قادرة على تحقيق هذا الهدف. – إصلاح القطاع العام الذي ثبت انه جهاز الحرب الرئيسي لدينا، فدونه لا نحن ولا غيرنا – مثل اكثر الدول الليبرالية في الدنيا- قادر على ربح مثل هذه الحرب..
التعليم والصحة والنقل أعمدة أساسية.. ولكن الصناعة والتجارة ايضا.. على الدولة ان تعود للاستثمار في الصناعة بشكل مباشر.. لقد أسقطت الكورونا النظرية الليبرالية الجديدة في الماء. –
النضج الاخلاقي والخروج من نظام التفاهة الذي سقطنا في مستنقعه.. لقد تبين لنا بالكاشف ان الكورونا واي حرب بيولوجية ممكنة لن تفرق بيننا.. ولن تميّز لا على اساس الأيديولوجيا او لا اي اسس اخرى كالانتماء الطبقي او السياسي او اللون او المنطقة او غيرها من المعايير والمحددات التي نعتمدها لإذكاء الحروب التافهة ومعارك المستنقعات الرخيصة.
أخيرا، سنخرج من هذه المحنة.. فقط علينا ان نخرج منها اقوى.. اكثر وطنية واكثر إنسانية.
Comments