الجديد

تونس ما بعد 25 جويلية .. حالة “الستاتيكو” باقية و تتمدد

حمدي حناشي

المتأني في التحليل بعين العمق و الباحث عن الحقيقة بمعول العقل الرصين يرى الأمور أوضح من المتمترس خلف باراديغمات التحليل النمطي و نزعات التسطيح، لأن المبحث أعمق بكثير من مجرد صراع  “فيراجي” بين أنصار الرئيس و داعمي مسار 25 جويلية و ضد معارضيه و مريدي ما قبله.

الأقرب للحكمة و للعقل هو الإقرار بأن اللحظة السياسية الراهنة ليست أبدا من مع مسار قيس سعيد و من ضده و ليست كذلك نزاع شعاراتي بين شرعية التنظير المنشود و مشروعية و واقعية الفعل السياسي الموجود.

و لئن إتفق جميع الأطراف تشخيصا رغم إختلافاتهم بأن حصيلة المنجز الإقتصادي و الإجتماعي للعشرية السابقة صفري و هزيل مما أدى لمسار يطرح إشكالات راهنية، فإن الأزمة بتشعباتها و بموازين قواها و بإكراهاتها و بما تقتضيه من تنازلات سلام الشجعان تلوح في الأفق بين السلطة التنفيذية و المنظمة الشغيلة و هو مأزق سياسي حقيقي و أمر ستؤول إليه أمور أخرى.

في الحقيقة الأزمة التي طغت على المشهد السياسي التونسي و التي ألقت بظلالها خلال العشرية الماضية كانت تتمثل في تضخم ورم الأنا للزعامات التقليدية و هراش الديكة بين الخصوم السياسيين مع إستحضار لمعارك دونكيشوتية و ترسيخ لباراديغمات فرز مغلوطة على أساس إيديولوجي لا على قاعدة وضع ما بعد ثوري و ما يتطلبه من قطيعة إيتستمولوجية مع ماض فاشل مع المضي في تأسيس لمشروع دولة متحضرة يتباهى بها شعبها في محفل الأمم.

إن المسار الجديد كان و لا يزال متعثرا و منقوصا، حتى خارطة طريق الخروج من وضع الإستثناء لوضع الإسقرار السياسي يلفها الغموض و أفقها ضبابي، و مع مرور الوقت سيدرك الشعب أن نفس الأسباب ستؤدي إلى نفس النتائج و هي بدورها قد تصبح أسبابا لنتائج أخرى.

بإختصار يجب على تونس فك الإرتباط  مع الوضع العبثي إذا أريد للأجيال القادمة أن تعيش في دولة متحضرة و شامخة في محيطها الإقليمي و الدولي.

و من التساؤلات الإشكالية التي طرحت بقوة قبل و حتى بعد تاريخ 25 جويلية هو ما ألت إليه أوضاع التمثيلية النسبية في تونس و تقلبات ميركاتو الأحزاب السياسية في تونس التي عرفت خلال العشرية الماضية بإفتقارها للبرامج و لهيكلة حقيقية، بالإضافة إلى قصور الرؤية و غياب الممارسة الديمقراطية داخلها، بل تحولت ليافطات لزعامات سياسية شخصية إنتهازية مصلحية لا أكثر.

لكن وجب الإشارة هاهنا إلى أن جدل فشل نظام التمثيلية النسبية لا يقتصر على فقط تونس بل هي إشكالية عبر-قطر مطروحة حتى في أعرق الديمقراطيات الغربية و ما نسبة العزوف القياسية في الإنتخابات المحلية بفرنسا و تنامي الموجة اليمينية الشعبوية و تنامي حضورهم بالبرلمان الفرنسي إلا دلائل على هذا الفشل.

إذن المشكل سوسيولوجي عميق و ليس فقط مجرد هبة شعبية أو شعارات تنادي بالإجهاز على منظومة متعفنة و إستبدالها بأخرى ناجعة و منتجة للرخاء التي هي بدورها ربما تصبح أكثر تعفنا و تصنع ريعها الخاص بعد سنوات من قيامها .

إذن مهندسي المعادلة السياسية الجديدة يجب أن يبتعدوا قدر الإمكان عن تغذية الحس بالغبن الإجتماعي بفرض إصلاحات إقتصادية موجعة ستؤدي إلي تعمق التفاوت الطبقي و مشاكل لا حول و لا إستطاعة للمنظمة الشغيلة على إحتوائها، كذلك يجب أن لا يؤدي هذا القانون الإنتخابي المزمع إعتماده في الإستحقاق التشريعي لإثارة النعرات الجهوية ، لأن الأرضية الخصبة لبروز هكذا إشكاليات موجودة أصلا في المجتمع و عليه وجب الإنتباه لها و العمل على تحييد الغوغائيين و الشعبويين الذين يتبنون هذه الأجندات القصووية .

شخصيا ذهني مسكون بيقين يلامس العقيدة بأن الشعب التونسي و رغم كل شيء تحول بعد 2011 من تابعين لمواطنين أحرار و هو ما يجعل إقامة مشروع ديكتاتوري قهري من جديد مستحيلا

الحل لا في خارطة الطريق و لا في عودة لبرلمان العبث و كذلك لا لركوب موجة الشعبوية ، الحل في تعاقد جديد على أسس مواطنية متينة قوامها سيادة القانون و على قاعدة فضاء تفكير سياسي جديد يقطع مع طرق عمل الماضي و يؤسس لدولة الحداثة الحقيقية، و تبوأ مكانة ريادية في منصة العصر من الذكاء الإصطناعي ، و تطوير الجامعات و الإستثمار في مراكز التفكير و البحث العلمي

توازيا مع تحرر المواطن من كلكل التخلف، هذا التحول الحضاري العميق من دولة متخلفة لدولة متحضرة مهابة في محفل الأمم، أو بالأحرى رؤية تونس 2050 سيكون على عاتق جيل جديد متشبع بفكر جديد و مؤمن برؤى و تصورات إبداعية و حامل لحلم كبير، كل هذا يمر بالضرورة بالتحرر من السجون الإيدولوجية المعتمة .

هؤلاء المجددين و الطامحين بغد أفضل سينتصرون لحلمهم و ستعانق موجتهم شاطئ العصر الحديث.

في النهاية  تونس “غدوة خير” رغم كل شيء ، أما 25 جويلية 2021 و ما سبقه و ما سيتلوه هي مجرد تفاصيل صغيرة، في المقابل أمال و إنتظارات الشعب كبيرة .

 

 

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP