تونس و الارهاب: من “تجربة ديمقراطية” الى “ملف أمني” !
منذر بالضيافي
ألقت الحادثة الارهابية، التي جدت اليوم بنيس الفرنسية، وتورط فيها ارهابي تونسي، إبراهيم بن محمد بن صالح العيساوي، شاب في العشرين من عمره، بضلالها على المشهد التونسي الداخلي، الذي يعاني من الانقسام السياسي والمجتمعي، وسط أزمة شاملة ومركبة، زادت تداعيات وباء الكورونا في مضاعفاتها، وأصبحت تنذر بالذهاب نحو الأسوأ.
هناك حالة من “الصدمة”، أصابت الشارع التونسي اليوم، بعد الاعلان عن هوية ارهابي كنيسة نيس الفرنسية، قلق وحيرة وخوف من القادم، ارتسمت على تقاسيم وجوه واجمة، وهم يتابعون صورة بلادهم مقترنة بالإرهاب.
ما حصل اليوم من ارهاب شنيع على يد شاب تونسي، ليس الحادث الارهابي الأول الذي يتورط فيه شاب تونسي، في مقتبل العمر في مدينة أوروبية، في القارة العجوز التي تمثل العمق الثقافي والاقتصادي لبلادنا، ويزداد هذا الارتباط مع بلد مثل فرنسا، تربطنا به وشائج تاريخية فضلا عن شبكة المصالح والمنافع.
ما رسم من “حيرة” على وجوه عموم التونسيين اليوم، وهم يتابعون على شاشات تلفزيونات العالم، صور القتل والدماء من كنسية مدينة نيس، من تنفيذ “شاب تونس”، مرده عدم القدرة بل العجز عن فهم ما حصل ويحصل خلال السنوات الأخيرة، و كيف تحول بلدهم الذي عرف تجربة تحديث وعصرنة هي الأكثر تجذرا في العالمين العربي والاسلامي، الى مصدر وخزان للإرهاب وللفكر الظلامي. ماذا حصل في بلد الزعيم التنويري الحبيب بورقيبة؟
في الواقع – وللأسف – ما حصل اليوم لم يكن مفاجئا، فقد تحولت بلادنا الى مصدر الى الارهاب خلال السنوات الأخيرة، التي تلت انتفاضة 14 جلانفي 2011، وهذا ما تشهد به العديد من الدراسات والبحوث والتقارير الأمنية، التي صدرت عن جهات بحثية محكمة وأيضا عن مؤسسات دولية على غرار الأمم المتحدة، والتي تحدثت عن وجود الألاف من التونسيين الناشطين في الجماعات المتشددة مثل “داعش” و “القاعدة” وغيرها من التنظيمات الارهابية، التي تنشط في بؤر التوتر عبر العالم.
لكن ما يزيد في “حيرة” و “قلق” التونسيين، هو أن تورط “أبناء جلدتهم”، سيزيد في تعميق أزمة البلاد وخاصة عزلتها عن العالم، في سياق وظرف محلي واقليمي ودولي، هي في أشد الحاجة فيه الى ربط جسور وتواصل مع الخارج، من أجل المساعدة على الخروج من المأزق الذي الت اليه الأوضاع فيها.
وهنا لا يجب أن نغفل، على أن هذا الخارج كان “متحمسا” بل و “كريما” جدا مع تجربة بلادنا في الانتقال الديمقراطي، وأنه رافق هذه التجربة بالدعم المادي والمعنوي، وكانت بلادنا ورموزها محل حفاوة وتبجيل وتقدير، وهي التي منحت “نوبل للسلام”.
قبل أن يتحول الحلم في اللحاق بالأمم المتقدمة والديمقراطية، الى “أضغاث أحلام” لتفقد التجربة بريقها في عيون أصحابها وتتحول مع مرور الأيام الى “كابوس”، ثم الى وجع رأس للخارج كما الداخل، وهذا ما جنته النخب التي تصدرت المشهد خلال العشرية الأخيرة، وحكمت على تجربة “مثالية” كانت تملك كل مقومات النجاح.
لقد كان حجم الفشل كبيرا ومؤلما، من خلال الأزمة المركبة والمعقدة في الداخل، أما في الخارج فقد برزت كل علامات “العزلة الدولية”، بسبب حالة الفشل الدبلوماسي، التي ميزت السنة الأولى من حكم الرئيس قيس سعيد، انضافت اليها مآسي الوباء ( كورونا ) الذي فرض انكماشا في العلاقات الدولية (سواء في تنقل الأفراد أو حتى السلع ).
ولعل المخاطر الأمنية، التي تسببت فيها الهجرة السرية أو الغير النظامية، خصوصا بعد وجود صلة عضوية بينها وبين الارهاب، كشف عنها بوضوح منفذ عملية نيس الارهابية اليوم ( فالارهابي دخل أوروبا عبر بوابة الهجرة السرية)، ما سيزيد في تعميق “عزلة” تونس عن محيطها الأوروبي، وسيجعل من التعامل مع بلادنا مقتصرا على الملف الأمني دون سواه.
نقدر أن تداعيات ما حصل اليوم في كنيسة نيس الفرنسية ستكون أكثر ايلاما في قادم الايام والأشهر، وأن تجربة الانتقال الديمقراطي التي فقدت بريقها في الداخل، تحولت الى “مسألة أمنية” في علاقة بجيراننا الأوروبيين، وبرز ذلك من خلال ادارتهم معنا لملف الهجرة السرية أو الغير نظامية، ونقدر أنه مسار سيزداد ويتعمق أكثر مع “الخطر الارهابي”.
Comments