تونس و ” المتاهة الديمقراطية “
هشام الحاجي
يبدو واضحا أن الوضع التونسي أصبح مصدر وجع رأس لكل من يسعى لمحاولة فهمه و ” تعقل آليات اشتغاله” تماما . كما يبدو واضحا أن هذا الوضع قد أضحى مفتوحا على احتمالات أقل ما يقال فيها أنها لا تبعث على الاطمئنان.
و ما يبدو واضحا أن تفاؤل البدايات الطفولي الذي طغى في السنوات الأولى التي اعقبت 14 جانفي 2011، قد ترك مكانه لتشاؤم ما انفك يتعاظم بعد أن تأكد أن الحصيلة هي أبعد ما يكون عن الوعود و التوقعات الطوباوية، التي أغرق فيها الفاعلون السياسيون المواطنين و المواطنات.
لقد تباطأ مسار الانتقال الديمقراطي، و تعثر إلى أن أصبح الإعلان عن فشله هو الأقرب للواقع، بعد أن فقدت سردية الثورة بريقها و شعبيتها.
ما بلغناه اليوم من شعور بالتخوف و الشك في المستقبل، و الإحساس بانسداد الأفق هو السائد و الطاغي، هو نتيجة أخطاء يبدو أغلبها مقصودا ، أخطاء ارتكبت بعد 14 جانفي 2011 خاصة في مستوى القوانين والتشريعات المنظمة للحياة السياسية، بدءا بالدستور وصولا إلى المراسيم والقوانين التي تؤطر الحياة السياسية و الجمعياتية وما يسمى بالهيئات الدستورية.
التي خلقت جزرا متناثرة و فاقدة للتأثير الفعلي، من جمعيات و أحزاب و هيئات دستورية و غير دستورية ، هذا دون أن ننسى أن “دودة ” الانقسام قد تسربت للمؤسسات الدستورية ، و هو ما يعني أن التوتر بين رئاسة الجمهورية و رئاسة الحكومة و البرلمان، هو في هذا البناء الدستوري هو الأصل.
لقد استعمل “رهاب” الخوف من عودة الاستبداد مطية لتكريس حالة من ضعف المؤسسات و اقحامها في تقابل لا ينتهي. يضاف إلى ذلك أن غياب إيمان حقيقي لدى الفاعلين السياسيين بالثقافة الديمقراطية، قد زاد في دفع البلاد نحو ” المتاهة الديمقراطية “.
قد اعاق ضعف الإيمان بالثقافة الديمقراطية، بناء قواسم وطنية مشتركة و هو ما أفشل الانتقال من ثقافة المغالبة و الاحتكار و الصدام إلى ثقافة إدارة الإختلاف.
و هذا الضعف هو الذي أفشل العمل المشترك و سياسات التوافق، و لا شك أن حركة النهضة التي تصدرت المشهد السياسي ، في العشرية الأخيرة تتحمل مسؤولية تحويل حلم الانتقال الديمقراطي إلى انزلاق نحو المتاهة الديمقراطية، إذ كان موقفها محددا في صياغة الدستور و في إدارة أهم المنعطفات السياسية التي عاشتها البلاد.
و قد تكون الحسابات الذاتية و أيضا عدم تمثل حقيقي للفكر الديمقراطي، هي التي أوقعت حركة النهضة في أخطاء قد تكلفها غاليا. ذلك أن الوضع السياسي الحالي هو وضع ” متاهة ديمقراطية ” بامتياز .
فالصراع بين “الرؤساء الثلاث ” على أشده ، في ظل وضعية توصف بحالة “توازن الضعف ” ، التي يعاني منها الرئاسات الثاث. و تزيد وضعية رئيس الحكومة الوضع تعقيدا لأن شبهات الفساد التي تلاحقه تضعف كثيرا مصداقيته ، مع أن وضعية راشد الغنوشي ليست أفضل منه، و هو الذي يواجه معارضة متنامية داخل مجلس نواب الشعب ، و في حركة النهضة، تماما كما هو الحال لقيس سعيد الذي لم يقم لحد الآن بإنجاز واحد.
لا شك أن الوضع الإجتماعي و الإقتصادي المتأزم ، لا يزيد إلا في إعاقة الانتقال الديمقراطي ، لأن الديمقراطية تحتاج إلى أن يتوفر للمجتمع الحد الأدنى من الرفاه.
و لا شك أن غياب الثقة بين الفاعلين السياسيين هو أحد أسباب الانزلاق نحو المتاهة الديمقراطية، لأن الديمقراطية تحتاج إلى شعور الثقة بين الفاعلين السياسيين، و بينهم وبين المواطنين و في المؤسسات و في المستقبل ، و هو ما جعل الانتقال الديمقراطي ، يتحول إلى انقلاب متواصل على التوافقات و نتائج الإنتخابات و الاتفاقيات.
Comments