تونس و متاهة ” الصبيا – نوقراطية”
هشام الحاجي
يتفق أغلب المحللين و الدارسين على أن الديمقراطية هي – الى حد اليوم – هي أقل الأنظمة السياسية سوءا و هو ما منحها جاذبية و جعلها مطمح كل الشعوب.
و لا شك أن هذا التطلع مشروع و لا يمكن من حيث المبدأ وضع حواجز ” انطولوجية” تتذرع بالعرق أو الدين أمام توق الشعوب لنظام حكم ديمقراطي.
و لكن وفي المقابل، لا يمكن في الآن نفسه تجاهل ضرورة توفر الحد الأدنى من ” النضج الهيكلي ” حتى تتوفر الأرضية القادرة على احتضان نظام حكم ديمقراطي و على ضمان استقراره و استمراره.
وفي عياب الشروط الأساسية والدنيا لقيام ديمقراطية حقيقية تبرز ظواهر مرتبطة بمرحلة الانتقال نحو الديمقراطية كالتي تعيشها تونس منذ أكثر من 10 سنوات.
ومن بينها ما أطلق عليه ” الصبيا – نوقراطية” وهي تنتعش من الثقافة السائدة و الطاغية خاصة في جانبها العام والمهيمن و المتصل بالحقل السياسي.
ففي مستوى الثقافة اليومية التي تؤطر السلوكيات و ” تبررها ” تغيب ثقافة المسؤولية بما فيها من محاسبة النفس و الإقرار بأخطائها و من عقلنة للسلوك لتحل محلها ثقافة المؤامرة و إلقاء العبء على الآخرين.
و هو ما يؤدي إلى اختيارات غير منطقية و غير عقلانية في الحقل السياسي و هي أرضية يوظفها ” الساسة الصبيانيون ” لتحريك الجموع في معارك تبقى مهما كانت رهاناتها دون تحديات اللحظة و يكفي في هذا الإطار التذكير ب “ظاهرة” تنظيم المسيرات و الاجتماعات التحشيدية في فترة ينتشر فيها وباء الكورونا.
ساعدت الطبقة السياسية الحالية على انتشار ظاهرة “الصبيا – نوقراطية” والتي تمثلت في ترك التخطيط جانبا و الانغماس في الاستجابة للمطالب التي رفعها المواطنون دون أدنى تفكير في الغد و في ” اسكات ” الجانب الطفولي في المواطن من خلال تمكين أعداد كبيرة منهم من جرايات دون عمل منجز.
و ايضا عبر اغراقهم بوعود انتخابية لم ينجز الحد الأدنى منها في سلوك شبيه بما يعمد إليه بعض الآباء والأمهات من تقديم وعود لا تتحقق لأطفالهم لاستمالتهم مؤقتا و اسكاتهم و لو إلى حين.
و تتعدد مظاهر ” الصبيانو – قراطية” في مستوى الطبقة السياسية و يبدو سلوك رئيس الجمهورية قيس سعيد تجسيدا لأبرز مظاهرها، سواء في اسلوب خطابه الذي يحيل إلى طفولية سياسية، أو في خضوعه الكلي لمنطق المؤامرة و انعدام المبادرة لديه، أو في التمحور حول الذات و هو ما يمنع أي تفاعل إيجابي بينه وبين الآخرين.
و تنخر ” الصبيا – نوقراطية” مجلس نواب الشعب منذ سنوات، و هو ما جعل أغلب جلساته العامة تتحول إلى ” ساحات ” لتبادل الشتائم و الاستفزاز، وهو ما أدى إلى ابتعاد عدد من أعضائه عن مهام عضو مجلس نواب الشعب، بحثا عن الظهور سواء في الاماكن العامة كالمطارات و المؤسسات، أو داخل أرجاء المجلس ذاته.
و لا شك أن فضيحة التسريبات الأخيرة هي أكبر تجسيد ل “الصبيا – نوقراطية” لأن ” بطلاها ” عضوان في مجلس نواب الشعب تناسيا كل الاعتبارات الأخلاقية و القيمية و تخليا عن الحد الأدنى من واجب التحفظ و حقوق الزمالة، و لأن مضمون التسريبات يكشف ” تلاعبا صبيانيا ” بالدولة و مؤسساتها.
و هو ما يذكرنا أن أخطر أنواع اللعب هي لعب الأطفال بالنار و أن الطفولة ليست مرحلة عمرية تحسب بالأعوام بل هي غياب النضج و هو ما يبدو حاليا في سلوك الأغلبية الساحقة من الطبقة السياسية و التي بدأنا نلمس أنها تقود البلاد إلى متاهات المجهول.
Comments