الجديد

حادثة شط مريم: الإفلاس الأخلاقي والسيّاسي !         

                            

شعبان العبيدي                                                                                              

في مثل هذه المرحلة الصّعبة الّتي تمرّ بها البلاد، وهي تواجه خطرا داهما لا بدّ من محاصرته، وهو تفشي وباء فيروس كورونا المستجد، الّذي عصف بدول العالم و أرّقها، و كشف للإيطاليين و الإسبان والإيرانيين أنّه في مثل هذه الجوائح لا تعوّل الشّعوب إلاّ على أبنائها وقيمها و قدراتها.

بعد أن كشف انتشار الوباء وهم التّعاون الدّولي والتضامن، وهو ما أبرزته مقاطع فيديوهات كثيرة  لاستغاثة الإيطاليين والإسبان و اتّهامهم لتخلّي الدّول اّلأوروبيّة عنهم، كما كشف ذلك رئيس صربيا في كلمة شكر فيها الزّعامات الأوروبيّة على تنكّرها لبلده، في غلقها لحدودها و عدم مدّه بالمستلزمات الطبيّة والغذائية.

في الواقع هذه البلدان وجدت هي نفسها غارقة أمام هذا الوباء المفاجئ، تحاول محاصرته وتوفير كلّ ما تتطلّبه عمليات الوقاية والعلاج.

في تونس، سعت الحكومة منذ البداية إلى اتّخاذ إجراءات مرحليّة، تطوّرت بتطوّر تفاقم عدد المصابين. ولعلّ من البوادر المشجّعة استجابة القطاع الخاصّ لوضع مصحّاته تحت تصرّف وزارة الصحّة، وكذلك إطلاق عملية التبرّع لدعم مجهودات الدّولة في توفير الأجهزة الطبيّة، إضافة إلى استجابة عدد من أصحاب النّزل للمساعدة بوضع بعض النّزل تحت تصرّف الدّولة لتطبيق عمليات الحجر الصّحي الإجباري بعد أن تبيّن أنّ التّعويل على الحجر الصحّي الذّاتي غير مجدي من طرف التونسيين العائدين من تلقاء أنفسهم، والمراهنة على تفهّهم للضّر الكبير الذي يمكن أن يجلبه المخلّون واللامبالون بالصحّة العامّة إلى أهاليهم ومواطنيهم.

وقد تأكّدت هذه المخاطر من خلال اكتشاف بؤر لانتشار هذا الفيروس بتونس العاصمة والجنوب، ما هي إلاّ نتاج هذا التسيّب وغياب الحسّ بالمسؤولية والمخاطر. أمام ما يبذله القطاع الصحّي والأمني والحكومي من جهد وتضحيات      .

وقد عمدت الحكومة أخيرا إلى تطبيق الحجر الصحّي الإجباري، وكان نقل مجموعة من العائدين البارحة إلى نزل بمنطقة شط مريم ولاية سوسة لإقامتهم هناك تحت المراقبة وإتمام الحجر الصحيّ للتأكّد من سلامتهم وبالتالي سلامة المجتمع، علما أنّ هؤلاء ليسوا حاملين لأمراض معدية وليسوا غرباء.

ووجودهم داخل المكان المخصّص لهم في حجر تامّ لا يضرّ بأحد من المتساكنين. ولكن ما حدث البارحة من تجمهر لأعداد غفيرة من الناس خرقت قانون الطوارئ والحجر الصحيّ الطوعيّ، وما قامت بهذه هذه الجماعات الّتي يقع تحريكها كلّ مرّة، وكأنها أصبحت كيانات تعبّر عن دويلات داخل الدّولة من اعتداء على رموز السلطة ومن تصدّ للأمن وقرارات الدّولة الّتي هي في أحلك مراحل المقاومة لخطر يهدّد كلّ التّونسيين.

ما حصل يكشف بلا ما يدع للشكّ قمّة الإفلاس القيمي وغياب الحدّ الأدنى من معاني التضامن والوحدة، وكذلك قمّة الإفلاس السياسي للذين لا يفوّتون الفرصة لاستغلال كلّ جائحة وظرف للتمرّد على الدّولة والاعتداء عليها، و مزيد تشتيت عملها.

بل إنّه ابتداء من انطلاق عمليات الرّفض لتوفير فضاءات آمنة للقيام بالحجر الصحّي الإجباريّ الذي كانت الدّولة تعدّ نفسها له قبل وصول الفيروس إلى تونس، وخروج بيانات من مسؤولي عدد من البلديات رفضا لتهيئة نزل بالجهة لهم، وصولا إلى ما وقع البارحة في الوقت الذّي تظهر فيه شعوب العالم تضامنا كبيرا وصبرا رغم هول الكارثة في إيطاليا و إسبانيا، يؤكّد أنّ هؤلاء لا يفقهون معنى الدّولة ولا معنى المجتمع ولا معني القيم الاجتماعية.

بل إنّ هذه الظواهر الغريبة التي جاءت بها سلبيات الثورة عزّزت مفهوم الجهويات و تفكيك البلاد و التهوّر و الحسّ العدائي، وفي هذا الجرح المريض الذي رافق الثورة فرّخت اللّوبيات و العفن السيّاسيّ للذين يتاجرون بكلّ مصيبة، فهم ينتشرون في جراح المجتمع أكثر من انتشار الفيروس نفسه.

.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP