حرب العاشر من رمضان .. اخر محطات التضامن العربي
تونس- التونسيون
لا يمكن لشهر رمضان أن يمر دون أن تستعيد الذاكرة العربية حرب العاشر من رمضان التي انطلقت في مثل هذا اليوم من رمضان سنة 1973. تحرك يومها و بشكل متزامن وفق تخطيط دقيق و سري الجيشان المصري و السوري في إتجاه سيناء و هضبة الجولان المحتلة.
مكنت سرعة التحرك و ما أدى إليه من مباغتة إلى جانب الإعداد المحكم من تحقيق اختراق لافت في الجبهتين تجلى في تدمير جدار بارليف الذي طالما تغنت به الدعاية الصهيونية و في تقدم الجيش المصري لأكثر من عشرين كيلومترا داخل سيناء و في استرجاع سهل الحولة و هضبة طبريا في الجولان المحتل.
شكل هذا الإنجاز أول إنتصار للجيوش النظامية العربية على الجيش الإسرائيلي منذ حرب 1948 التي اعقبتها حرب 1956 على قناة السويس و حرب جوان 1967 التي خلقت حالة من الإحباط و اليأس التي شملت العرب من المحيط إلى الخليج. و كانت حرب العاشر من رمضان منعرجا هاما في العلاقات العربية -العربية و في التحالفات الدولية.
ذلك أن مصر و سوريا لم تخوضا الحرب منفردتين فقد انخرط معها عدد من الدول العربية. فقد كانت الجزائر أول دولة عربية تعلن توقفها عند تزويد الدول الغربية و الولايات المتحدة الأمريكية بالنفط و وضع الرئيس هواري بومدين كل إمكانيات بلاده على ذمة مصر و أرسل لها 96 دبابة و 50طائرة حربية حديثة من نوع ميغ 17 و ميغ 21 و سوخوي 7 .
و شاركت في الضربة الجوية الأولى 24طائرة جزائرية إلى جانب 200طائرة مصرية. و حين تلكأت القيادة السوفياتية في إتمام صفقة بيع طائرات عسكرية لمصر و سوريا وقع الإتفاق عليها تحول على جناح السرعة إلى موسكو و أعلن عزم الجزائر إعادة دفع ثمن الطائرات مرة أخرى إن لزم الأمر و بقي يومين في العاصمة السوفياتية و لم يغادر إلا بعد أن وقع إرسال الطائرات إلى مصر و سوريا.
شارك العراق من جهته بإرسال 60 ألف مقاتل و 700 دبابة و شارك في الهجوم البري على جبهة سيناء أما الكويت فقد أرسلت 3000 جندي إلى سوريا لحماية العاصمة دمشق التي لا تبعد الا 60 كيلومترا عن جبهة الجولان.
و أرسل السودان قوة عسكرية إلى مصر في حين شاركت المملكة العربية السعودية بمبلغ 200 مليون دولار و ارسلت 20000 جندي إلى سوريا و أرسلت تونس من ناحيتها كتيبة تضم 1200 جندي.
و لكن هذا التضامن سرعان ما أخذ في التلاشي على خلفية كيفية التعاطي السياسي مع مكسب الحرب إذ تخلى الرئيس المصري محمد أنور السادات عن التنسيق مع القيادة السورية و قبل بايقاف النار على الجبهة المصرية و الدخول في ما عرف بمفاوضات النقطة الكيلومترية 101 و هو ما سمح للقوات الإسرائيلية بالالتفاف على القوات السورية في الجولان و استعادة سهل الحولة و هضبة طبريا و بحيرتها ذات الأهمية الإستراتيجية.
و قد أعلن يوم 24 أكتوبر 1973 عن انتهاء الحرب بين مصر و إسرائيل و أختار أنور السادات طرد الخبراء العسكريين السوفيات و السير في طريق التقارب مع واشنطن و هو ما قاده إلى تطبيع سياسي مع الكيان الصهيوني تجلى في تحوله إلى الكنيست يوم 26 مارس 1979و إمضاء معاهدة ” سلام” يوم25 مارس 1982 استعادت بموجبها مصر سيادتها على سيناء و قناة السويس و استعادت منطقة طابا عبر آلية التحكيم الدولي في 19 مارس1989 .
اما سوريا فقد واصلت خوض حرب استنزاف امتدت إلى سنة 1974 و وقع إمضاء إتفاقية فك اشتباك نصت على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي سيطرت عليها في حرب أكتوبر 1973و من مدينة القنيطرة و على إقامة حزام أمني منزوع السلاح بين الجانبين. و من النتائج غير المنطقية لحرب العاشر من رمضان دخول الدول العربية في صراعات ثنائية أدت إلى قيام محاور و إلى استبعاد مصر من جامعة الدول العربية و إلى بدايات انحسار الدور الدولي للإتحاد السوفياتي و الذي أدى في نهاية الأمر إلى تفككه.
و لا ننسى أيضا في باب النتائج المباشرة لحرب العاشر من رمضان إغتيال العاهل السعودي الملك فيصل على يدي أحد أقاربه و هو الذي استعمل سلاح النفط لاسناد مصر و سوريا و ايضا ” المرض الغامض ” الذي فتك بعد سنوات قليلة بالرئيس الجزائري هواري بومدين…حرب العاشر من رمضان كانت نصرا عسكريا فتح الباب و في إطار مفارقة عجيبة أمام هزائم سياسية متتالية هشام الحاجي
Comments