حركة "النهضة": "من الجماعة الى الحكم"، صعوبات فك الارتباط مع "الارث الإخواني" / 4 من 30/
منذر بالضيافي
مثلما أشرنا في المقالات الثلاثة السابقة، فان بدايات الحركة الإسلامية التونسية، ممثلة في تيارها الرئيس حركة “النهضة”، كانت بداياتها إخوانية، وهو “ارث” ما زال مصاحبا لها الى اليوم، برغم التأكيد على أنها قطعت معه.
حيث مثلت أدبيات “الإخوان المسلمين” الرافد الأساسي والأساسي للتكوين العقدي والفكري لأبناء “الجماعة الإسلامية”، التي أصبحت تحمل اسم “حركة الاتجاه الإسلامي” في بداية الثمانينات، ثم “النهضة” نهاية تسعينات القرن الماضي.
لم يقتصر التأثير على الجوانب التربوية و الفكرية فقط، بل أنه حصلت رابطة أقوي، وهي رابطة تنظيمية مبنية على “البيعة” للمرشد العام في مصر، وان يصر قيادات ورموز “النهضة” على نفي كل صيغة تنظيمة مع الإخوان، ويصرون على أنهم جماعة تونسية “لحما ودما”.
و عموما فان هذه “الرابطة الإخوانية”، برغم تفتح إسلاميي تونس على مصادر تكوين عديدة وخاصة على تجارب أخري، مثل التراث لإصلاحي التونسي والفكر اليساري/الاشتراكي والتنظيمات الليبرالية الديمقراطية وأدبيات الثورة الإيرانية – الإسلام الحركي الشيعي – وتنوع قراءاتهم، فإن أدبيات الاخوان بقت هي المهيمنة، والمشكلة لما يمكن أن نسميه ب “الشخصية الأساسية” أو “القاعدية”، للمنتسب أو المنتمي لحركة “النهضة”.
بقى هذا الحصور القوى للأخونة، برغم التفاعل مع الحراك الداخلي التونسي، الذي انتهي إلى تبني خيار المشاركة والاندماج في النظام السياسي، الذي كان ينظر له في البدايات على أنه كرس “الغربنة” (التغريب) ومحاربة العمق الإسلامي لتونس، وحاول اقتطاعها من محيطها الثقافي والحضاري. كما تبنت “الإسلامية التونسية” مكاسب الحركة التحديثية التونسية، مثل الإقرار بحقوق المرأة وأنها شريك أساسي في الوطن وليست مكملا للرجل. فان التيار الرئيس داخل “النهضة” ما زال محافظا وتقليديا ومشدودا إلى أدبيات البدايات، أدبيات الإخوان.
تواجه “الإسلامية التونسية”، اليوم و “الآن وهنا”، كما قال الروائي العربي الكبير، عبد الرحمان منيف، في روايته الشهيرة “شرق المتوسط”، تواجه “مخاضا عسيرا”، وسط تحولات شاملة، تجرف العالم العربي، بعد موجة “ثورات الربيع العربي”، التي حملت الإسلاميين إلى سدة الحكم في كل من تونس ومصر، ليغادروه بسرعة فائقة في عاصمة المعز / القاهرة، لتعود الحركة الأم (إخوان مصر) إلى “المحنة” (تعبير يستعمل في أدبيات الإسلاميين)، لكن هذه المرة أكثر ضراوة، كما مثل إسقاط حكم الإخوان في مصر، زلزال كبير، تجاوزت تداعياته أركان بيت المرشد وجماعته، لترمي بظلالها على كافة حركات “لإسلام السياسي”.
حاولت حركة “النهضة”، استباق إعادة إنتاج الزلزال المصري في تونس، من خلال توصلها إلى تحقيق خروج آمن من الحكم (نهاية 2014)، لتنطلق في الإعلان عن بداية “مراجعات”، وذلك دون مقدمات تنظيرية أو فكرية، ما جعلها أقرب إلى “الولادة القيصرية” المشوهة، أو التي تبقي في حاجة إلى تأسيس وجدية أكبر.
وهي “مراجعات” هدفها المعلن يتمثل في تأكيد فك الارتباط عن الإخوان وأنها أصبحت تنظيم وطني تونسي، أما الهدف الأهم فهو المتمثل في قولها أنها حسمت صراعها الداخلي المتعلق بالفصل بين “الدعوي” و “السياسي”، لصالح الانتقال لحزب مدني وطني.
برغم سلسلة التنازلات المعلنة، فان محيطها الداخلي، ما يزال ينظر إليها بعين الريبة والتشكيك، وان كان يقدر أن هناك بعض التطور، لكن القطع مع “الإرث الإخواني”، والتحول إلى “حزب مدني”، ليس غدا وهو ما يجمع عليه جل الدارسين والمتابعين لإسلاميي تونس.
يتبع …
Comments