حكومة الفخفاخ: أزمة تلد أخرى .. من الكورونا الى ليبيا !
هشام الحاجي
ما نشر حول مطالب لقيادة الجيش الأمريكي بأفريقيا (الافريكوم)، من “تفكير في امكانية نشر قوات أمريكية في تونس”، في ظل تصاعد الصراع في ليبيا والاتجاه نحو تدويله، يثير في هذا التوقيت بالذات متاعب إضافية لحكومة الياس الفخفاخ، التي يبدو أن “قدرها ” أن تنتقل من أزمة إلى أخرى، أشدها بأسا هو نتيجة عوامل خارجة عن “نطاقها ” وفي أغلب الأحيان، وهي حديثة العهد بالحكم ( ثلاثة أشهر فقط ) ، و لكنها مدعوة بكل تأكيد للتفاعل معها.
فما أن برزت مؤشرات على أن تهديد وباء الكورونا ( الكوغيد 19) ، قد تراجع إلى حد كبير ، حتى برزت الانعكاسات المحتملة لتداعيات ما تعيشه الشقيقة ليبيا من نزاع يبدو واضحا أنه يتجاوز صراعا بين طرفين ليبيين، إلى مواجهة بين عدة قوى إقليمية ودولية، يتخذ من الأرض الليبية مسرحا له، ستكون دول الجوار أكثر المتضررين منه، خاصة تونس.
و يمثل دخول الدب الروسي و بوجه مكشوف حلبة الصراع تحولا استراتيجيا لأنه يعيد التذكير بمناخات الحرب الباردة و بتاريخ من المواجهات الأمريكية و الروسية في عدة مناطق من العالم و آخرها في سوريا، و هي مواجهة كانت لها تداعيات على الخارطة الأمنية و العسكرية في الشرق الأوسط.
من مظاهر التحولات الممكنة للتدخل الروسي، بوجه عسكري مكشوف في النزاع الليبي، ما سبق في الجزائر من توجه إلى تنقيح الدستور، بما من شأنه أن يسمح للجيش الجزائري بالتدخل خارج الحدود الجزائرية، و هو ما يعني أن الجزائر قد تدلي بدلوها ميدانيا في ما يحدث في ليبيا ، و هي التي تدرك أن ما يجري في جارتها الشرقية ينعكس مباشرة على امنها و استقرارها.
يمكن اعتبار التفكير في تنقيح الدستور الجزائري في اتجاه إطلاق يد الجيش خارج الحدود الجزائرية خطوة استباقية و دليلا على توقع استراتيجي قد يكون غائبا في تونس التي لم يخرج تعاملها مع الملف الليبي منذ جانفي 2021 عن إطار مقولة “دعها حتى تقع ” و عن الاكتفاء بترديد شعارات يبدو أن زمنها قد انقضى و هذا ما جعل تونس أحد أكبر الخاسرين في الملف الليبي.
لا شك أن شعارات الحياد لم تمنع تونس فعليا من دعم بعض الأطراف و من الخضوع لبعض الحسابات التي لم تكن دقيقة في مجملها كالمساندة التي قدمتها زمن تولي الباجي قايد السبسي لرئاسة الحكومة لتدفق أسلحة “الناتو ” على ” ثوار 17 فيفري 2011 ” و إصرار رئيس مجلس نواب الشعب حاليا راشد الغنوشي على دفع تونس نحو موقف فيه دعم صريح لحكومة الوفاق و رئيسها فائز السراج.
الأفريكوم .. مخاطر التورط في ليبيا
تداول طلب أفريكوم بكونها ” تفكر في إمكانية نشر قوات أمريكية في تونس” قبل أن تنشر “تعديل” في بيان رسمي “بأن الأمر يتعلق بوحدة تدريب ولا يتعلق بأي حال بقوات قتال عسكرية” قطعا أثار ردود افعال على الحكومة أن تقدم أجوبة لها وهي التي اختارت “الصمت”.
لكن قوات الأفريكوم تتابع بالتفاصيل ما يحدث في ليبيا لذك وفي غياب نفي رسمي تونسي سيبقى الجدل عن فرضية “مشاركة” أو “دعم” تونسي لقوات الأفريكون حتى وان لم يكن موجودا، وانها الخشية من أن تنجر تونس الى “التورط” في طرابلس.
أيا كانت طبيعة العلاقة بين تونس و “الأفريكوم”، فان ما نشر يشير الى تحرك أمريكي لتطويق الدور الروسي الذي بدا بتسرب لليبيا، والذي يمثل منعرجا استراتيجيا في النزاع الجاري في ليبيا و في السياسة الخارجية و العسكرية التونسية.
فقد ظلت تونس منذ استقلالها إلى حد اليوم رافضة لأن تمنح لأي دولة أجنبية إمكانية إقامة قاعدة عسكرية على أراضيها او في مياهها الإقليمية و كان رفض الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي لطلب مماثل من الإدارة الأمريكية أحد الأسباب التي ساهمت في تخلي الأمريكان عن دعمه و في مساعدة القوى السياسية التي عملت على الإطاحة به و في مقدمتها الاسلاميين.
إذا كان الظرف قد ساعد منذ جانفي 2011 إلى حد الآن الحكومات المتعاقبة على عدم التعاطي مع طلب صريح و عاجل و على الاكتفاء بتعاون جانبي و “سري” يمكن نفيه بسهولة في ظل ما يحيط المسائل العسكرية من واجب التحفظ فإن إلياس الفخفاخ يجد نفسه اليوم مدعوا للتعامل مع ملف شديد الحساسية و التعقيد حتى و إن كان نظريا من مشمولات رئيس الجمهورية .
بدوره فان رئيس الجمهورية سيجد هو أيضا نفسه في امتحان حقيقي بين الشعارات التي يرفعها و “طلب” – وان كان غير مؤكد وغير معلوم لكنه متداول اعلاميا – يعتبر في الأدبيات السياسية التونسية و خاصة منها المؤمنة بالثورة و الكرامة الوطنية استهدافا للسيادة الوطنية.
لا شك أن إلياس الفخفاخ قد “يتجاهل ” بعض مقولات الحزب الذي انتمى له و نعني “التكتل الديمقراطي ” و التي تعادي الحضور العسكري الأمريكي في الأراضي العربية و لكن كيف سيتصرف مع حركة الشعب التي تمثل مكونا هاما من مكونات حزامه السياسي و هي التي تعادي بوضوح السياسات الأمريكية في المنطقة و لا نعتقد أن حركة التيار الديمقراطي ستتخذ موقفا مناقضا لموقف حركة الشعب.
لكن إلياس الفخفاخ لا يواجه ضغط الشركاء في الحكومة فقط لأن رفع شعار لا في وجه الطلب الأمريكي – لو تحول الى واقعا – قد تكون له تداعياته المالية في ظل ارتهان تونس المتنامي للقروض و للهبات و لصندوق النقد الدولي الذي تلعب واشنطن دورا كبيرا في توجيه سياساته و تحديد موافقه .
كما لا يمكن تناسي موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من السياسات الأمريكية في الوطن العربي و هو الذي عارضها منذ عقود و لا نتصوره يقبل بأي حال من الأحوال حضورا عسكريا صريحا للقوات الأمريكية على الأراضي التونسية و هو أمر لا يمكن أيضا أن تغفل عنه حكومتنا العتيدة.
Comments