حكومة الفخفاخ .. الترويكا الجديدة !
خديجة زروق
أشار الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي، الى ان حكومة الياس الفخفاخ، تسير تدريجيا نحو ان تكون إعادة إنتاج لحكومة الترويكا، التي حكمت تونس بين سنتي 2011 و 2014. وهو شعور يتنامى لدى قطاع واسع من التونسيين، وتتكاثر المؤشرات الدالة على ذلك، وأن هذه الحكومة تنحرف بسرعة على طبيعة تأسيسها، كحكومة ائتلافية أقرب الى ما يسمى ب “تيار الثورة”، لتُصبح ثالوثا حزبيا هو نفسه من كون حكومتي حمادي الجبالي و على العريض.
مازال التونسيون يتذكرون بالكثير من المرارة تجربة حكم الترويكا الأولى، و التي تشكلت من أحزاب النهضة و المؤتمر و التكتل. فقد عرفت البلاد مع تلك الحكومة أسوأ فتراتها. إذ تميزت تلك المرحلة بكثافة التعيينات الحزبية، و استهداف الإدارة و رموز الدولة و العنف السياسي اللفظي و الميداني و الذي انتهى بالاغتيالات السياسية.
الترويكا .. الثالوث القديم
تخلق حكومة الفخفاخ اليوم هذا الانطباع. فمن جهة تكوينها الحزبي، فإنها تماما مثل حكومة الترويكا، إذ تتشكل من حزب مُهيمن و هو حركة النهضة، و من التيار الديمقراطي الفصيل المنشق عن المؤتمر، كما استطاع التيار ان يجذب إليه البفض من بقايا حزب المؤتمر، و من حزب التكتل عبر رئيس الحكومة و بعض الوجوه المنتسبة لهذا الحزب، و استعاد حزب التكتل البعض من “عافيته” بعد ان كان نسيا منسيا.
أما “حركة الشعب”، فهي و “حركة تحيا تونس” يُشاركان في الحُكم ب”حياء”. إذ ان “الشعب” يُمكن تشبيهها ب”التيار المتطرف” المعادي للنهضة داخل حزب المؤتمر التاريخي،. و بالنسبة لتحيا تونس، فان تيارا قويا فيها وافد عليها من حزبي “التكتل” و “الحزب الجمهوري” يبدو انه منخرط في الحكم من جهة علاقاته التاريخية بالسيد رئيس الحكومة من جهة التكتل، و بعلاقاته مع النهضة و التيار من جهة الحزب الجمهوري. ويبقى الحجم النيابي و التمثيلية السياسية، لكل من “حركة الشعب” و “تحيا تونس” لا يجعلهما يُشكلان فارقا كبيرا في جوهر عملية الحكم.
التعيينات .. الطّبْعُ نفسُه
المؤشر الثاني، الذي يشي بالسير على خُطى اعادة انتاج تجربة الترويكا، هي مسألة التعيينات. ففي الوقت الذي تدعو فيه الحكومة الجميع إلى التضامن والإيثار، تغرق الدواوين والإدارة بالتعيينات الحزبية.
وان كان من حق الحكومة إن تُعيّن من تشاء بموجب الدستور، و بموجب جوهر العملية الديمقراطية، فإن التعيينات الحزبية الخالصة التي لا تُراعي مبادئ الكفاءة و الجدارة و النزاهة هي التي تُذكّر بحكومة الترويكا القديمة، حكومة الهواة وغياب التجربة ومشروع الحكم، و يتقاسم الثالوث الحاكم التعيينات.
و ثمة مؤشرات فضلا عن “تسريبات قوية” على وجود “استعدادات كبيرة” للقيام بموجة تعيينات في سلك الولاة و المعتمدين و حتى العمد و في المناصب العليا في الإدارة تُنهي مرحلة 2014/2019. و ليست بعض الإقالات و موجة “الهرسلة” و حملات التشكيك للمعتمدين و العمد إلا مؤشرات على ما ذهبنا اليه.
وهنا لا نسمع في الحقيقة صوتا يُذكر لحزب “تحيا تونس”، رغم ان هؤلاء يفُترض أنهم سياسيا ينتمون إلي تلك الحقبة (2014 – 2019) باعتبارهم ثمار فوز النداء الانتخابي، و لكن مثلما أسلفنا القول فان تحيا شريك مع “التكتل” و “التيار”.
استهداف الإدارة.. والدولة
تميزت مرحلة الترويكا الأولى باستهداف الإدارة التونسية و كفاءاتها، و هيمن ساعتها الخطاب “الثورجي” ، الذي جعل من شماعة الفساد و التعامل مع النظام السابق تعلات لإفراغ الإدارة التونسية من كفاءاتها، و تصعيد مسؤولين جدد بحسب الولاء، ونلاحظ احياء اليوم لذات السيناريو وبذات الخطاب.
فمحمد عبو لم الذي راكم صلاحيات كبيرة وغير مسبوقة لا يكاد يوفّر فرصة منذ توليه الوزارة، الا ويستهدف الإدارة بخطاب يجمع بين “الشعبوية” و “التحريض”، على الاداريين والموظفين، حول الغيابات و الحضور و الرقابة و الفساد و الامتيازات و تذاكر الطعام و السيارات ووصولات البنزين….الخ متخفيا وراء محاربة الفساد.
محاربة الفساد خذه التي تحولت الى “قميص عثمان”، في حين ان خرق الإجراءات و مخالفة قوانين و تراتيب الصفقات العمومية في قضية الكمامات مثلا، ليس فسادا و الحال انه بالتعريف القانوني “فساد صارخ” بإجماع الهيئات المختصة وفقهاء القانون.
كما ان خطاب كراهية لبناة الدولة الوطنية، و مكتسباتها عاد للظهور و بقوة، داخل البرلمان و في وسائل الإعلام، و حتى في المنتوجات الدرامية.
يتقاسم التيار السلطة فعليا مع “الفخفاخ/التكتل”، ليحميا نفسيهما من تغول النهضة السابق، كما ان جناحا مهما في النهضة في تحالفه مع “الفخفاخ و التيار”، وهو ما يُشكّل ترويكا جديدة، ولقد سارع الأمين العام لاتحاد الشغل السيد نورالدين الطبوبي الى التحذير من هذا الانزلاق نحو “ترويكا جديدة”، و لم يعد خافيا على أحد هذا التقاطع بين حكومة الفخفاخ و تجربة الترويكا التي كان وزيرا فيها.
هذه المؤشرات التي أتينا عليها في هذا المقال حول مساعي اعادة انتاج الترويكا كأسلوب ومنهج حكم وادارة للبلاد، نأمل أنها ناشئة على أخطاء تقديرية، و ان لا تكون ضمن إستراتيجية مضبوطة للهيمنة السياسية و الحزبية على الدولة.
لان التاريخ لا يُستعاد الا في شكل مهازل، عسى الله ان يُبعد تونس عليها.
Comments