حكومة الفخفاخ .. خطوة للأمام وخطوتان للوراء
خديجة زروق
يعيش التونسيون على ايقاع متسارع، يتعلق بتشكيل حكومة الياس الفخفاخ و تبلغ التطورات درجات انقلابية، يتواصل التشويق فيها، و يعسُر من خلالها توقع تطور الاحداث. بعد يوم 5 فيفري الذي خرج فيه راشد الغنوشي بنفسه ليؤكد صباحا ثم مساء، ان خيار اشراك “قلب تونس” في الحكومة مسألة حيوية و جدية، و ليس مجرد مناورات و “تكتيكات” سياسوية، و بعد ان انخرط “مستشارو” الرئيس المكلف في خطاب التصعيد، حيث أكد السيد فتحي التوزري استعداد الفخفاخ للذهاب الى البرلمان دون النهضة، و أكدت لبنى الجريبي انه لن يتم التفاوض تحت الضغط و بشروط مسبقة، بعد كل هذا، أفاق التونسيون يوم 6 فيفري على خبر اللقاء الثلاثي الذي جمع راشد بكل من الفخفاخ و نبيل القروي في منزل رئيس حركة النهضة، مع ما يحمله مكان اللقاء من دلالات و رمزيات. إذ تجعل من بيت الشيخ “المحجة” و الخيمة التي تتم فيها المصالحات الكبرى.
و في مساء الخميس، تم اعلان قلب تونس قبول الدعوة للمشاركة في المشاورات اليوم الجمعة مع رئيس الحكومة المكلّف، الذي زاد في الدوران بدفته ليوجه الدعوة الى عبير موسي زعيمة الدستوري الحر، للمشاركة بدورها في مشاورات تشكيل الحكومة، و هي الرافضة لكل تعامل مع كل مخرجات الانتخابات، بل مخرجات منظومة 14 جانفي.
و بقطع النظر على الشجاعة السياسية الكبيرة التي تُحسبُ للفخفاخ، إذ تراجع كلّيا على كل ما وعد به منذ خطاب تكليفه، و تراجع بذلك على مبررات اختيار حزامه المساند له، بمنطق التيارات الثورية أو صورة الداعمين لرئيس الجمهورية في الدور الثاني، فإن هذه الانعطافة ستكون لها تداعيات مباشرة، على ما تبقى من مدة زمنية في تشكيل الحكومة، تداعيات قد تُغيّر صورة الائتلاف “الحاكم” نفسه.
- من الاحلام….الى الواقع
ان ما واجهه الفخفاخ في الاسبوعين الماضيين، أهم درس سياسي يُمكن ان يواجهه في مسيرته عامة، و سيجعله أكثر مرونة في التعاطي مع الشأن السياسي و مع مكونات الساحة السياسية و الحزبية.
فقد بدأ تكليفه بخطاب فيه الكثير من التعالي و العناد، كان فيه أقرب لزعيم سياسي فائز في الانتخابات و يقود حزبا له اغلبية. في خطابه الكثير من العرفان بالجميل للرئيس و محاولة للحفاظ على رضاه، حتى انه جعل كل شيء عائد له، الشرعية و المشروعية و أسباب الاختيار و حتى طبيعة الائتلاف. كان حالما كأنه غير مُدرك لحقيقة الامر الانتخابي. و لحقيقة الواقع البرلماني. زاد في ذلك الاداء المهزوز لمستشاريه.
و انتظرنا اسبوعين لنرى استفاقة الفخفاخ، من عالم الاحلام و وهم “القوة” و الحجم “الخيالي” للنواب المساندين. استفاقة تعود به الى الواقع. ليستمع لاصوات الداعمين له من اجل حكومة المصلحة/ الوحدة الوطنية، و ليتذكّر اننا في نظام سياسي شبه برلماني، و ان الامر يجب ان يُراعي نتائج الانتخابات التشريعية و قوة الكتل فيها، مع ضمان كل الاحترام لمؤسسة الرئاسة، و الحرص على توفير ضمانات الانسجام بين رئاسات المؤسسات الثلاث.
- الائتلاف الكبير….استقرار مضمون
سيضمن انخراط قلب تونس في المشاورات، و دعمه لحكومة الفخفاخ الكثير من المنافع المباشرة و البعيدة. إذ سيكون الحزام السياسي واسعا، فقد يلتحق بقلب تونس كتلة الاصلاح و المستقبل، و هو ما سيدعم الحكومة في البرلمان من جهة مشاريع القوانين و الشروع في الاصلاحات الضرورية. و سيسمح للبرلمان باستكمال الهيئات الدستورية و المصادقة على القوانين الاساسية العالقة بالانتخابات و قانون الاحزاب و الجمعيات و الاعلام و غيرها…
كما سيكون الائتلاف أكثر استقرارا، و لن يكون تحت رحمة أي من مكوناته، و سيكون اكثر توازنا. فبين الكتلة الديمقراطية “الثورية” و الكتلة “الوطنية” التي سيُمثلها القلب و تحيا و ربما الاصلاح ثمة نوع من “التعادلية” المطلوبة، حفاظا على الحد الادنى الضروري لاشتغال المؤسسات و دعم الحكومة.
في كل الحالات أكدت التطورات الاخيرة أن المبادرة السياسية ما تزال مرهونة بنتائج الانتخابات التشريعية، في ظل النظام السياسي الحالي، و ان الرغبات لا تتحقق بغير موازين قوى حقيقية في الواقع السياسي، فما نيل المطالب بالتمني.
و تأكد ان مركز السلطة هو البرلمان، و عليه فان التحالفات و المناورات تتم في رحابه لا خارجه، و لعل ذلك هو ما جعل الشيخ راشد الغنوشي يسترجع زمام المبادرة السياسية، التي توهم الكثيرون أنهم سلبوها اياه بفشل مرشح حركة النهضة “الحبيب الجملي” في نيل الثقة.
لقد نجح الفخفاخ في المناورة ايضا، تراجع خطوة ليتقدم خطوتين، ليكسب حزاما سياسيا أكبر و ينال الثقة، و يقود حكومة وحدة وطنية تعمل لمصلحة تونس.
Comments