الجديد

حكومة المشيشي: بعد ولادة عسيرة .. تحديات الثقة( هل تمرّ؟)

المهدي عبد الجواد

بعد طول انتظار غير مبرر تم الإعلان على حكومة “الكفاءات غير الحزبية”. شهر من غياب المشاورات مع الإيهام بها، غدو ورواح لرؤساء أحزاب ورؤساء كتل و”شخصيات” وطنية، جعل من تشكيل الحكومة امرأ غير ذي بال.

إذ انصرف عنها التونسيون إلى مغالبة ظروف عيشهم التي تزداد تدهورا، وسط انتشار مُفزع لوباء الكورونا.

إعلان التشكيل الحكومي رافقه جدل داخل النُخب التونسية غذاه “الصمت” الكامل لرئيس الحكومة المُكلف وصاحب التكليف نفسه. حتى وصف بعض المُحلّلين هذه الحكومة بكونها “حكومة سرية”، إذ لا يعلم أحد أمور برنامجها وأعضاءها وتركيبتها وهيكلتها، ولا طبيعة علاقتها بالأحزاب السياسية التي ستذهب اليهم في البرلمان “طالبة منحها الثقة منهم”.

وسط جدل متصاعد حول وجاهة حكومة كفاءات غير سياسية وغير حزبية في المنظومة الديمقراطية، زاد التأخير الكبير في اعلان الحكومة في خلق جوّ مناسب للإشاعات وخلق فرصة أمام عشاق  المؤامرات لحبك سيناريوهات، سترافق ولادة الحكومة وستؤثّر حتما في مصيرها.

لا ندري فعلا الى حدّ اللحظة كيف سيُقنع السيد هشام المشيشي الأحزاب السياسية في البرلمان بجدوى التصويت على الثقة لحكومته. إذ ان التصويت لن يكون نابعا من قناعة كبيرة بــ”كفاءة” حقيقية للتشكيل الوزاري الذي أعلن عليه رئيس الحكومة منذ حين، بقدر ما هي الضرورة.

فالتصويت أقرب إلى الإكراه منه الى الاقتناع، “إنه أبغض الحلول”، للنواب حتى لا يتم الدفع بالبلاد الى سيناريوهات مجهولة العواقب ليس أقلها مواجهة استحقاقات خطيرة ماليا واقتصاديا واجتماعيا وامنيا بحكومة مستقيلة، و تمت إقالة أكثر من ثلث وزرائها، ناهيك عن مخاطر حلّ البرلمان وما قد ينجرّ عنه من “انحراف” في السلطة في ظل غياب المحكمة الدستورية. هذا دون الحديث على كُلفة انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، في ظل انتشار وباء الكورونا.

ان عدم الالتزام بمعايير “المشاورات” في الأعراف السياسية، و التأخير في الإعلان عليها، يُفسّر بصعوبة تشكيل الحكومة وسط تجاذبات وانقسامات كبيرة تشق مكونات الحياة السياسية، ويبدو ان السيد هشام المشيشي مازال لم يدخل بعد في “ثوب” الرئيس، فقد بدا خجولا مترددا، متجنبا مواجهة الكاميرا غير منبسط الملامح.

و عدم الالتزام بالتوقيت مؤشر سلبي في عمليات التواصل السياسي، فكيف نثق في وعود لبرامج اصلاح بعد خمس سنوات والحال ان صاحبها لا يلتزم بمواعيده امامنا.

نلتمس العُذر للسيد الرئيس نظرا للضغوط التي يتعرض لها في اللحظات الاخيرة لتشكيل حكومته وهو ما يُفسر التغييرات التي حصلت على القائمة مقارنة بالتسريبات، ويكفي ان نجد خمس وزراء سابقين لنعرف حجم التغييرات.

و تُمثل عودة الطرابلسي والجارندي وعظوم وعاقصة والحفصي وكريم وثريا الجريبي عناصر استقرار.

لقد نجح المشيشي في تشكيل حكومة في الآجال وعليه اليوم النجاح في إقناع الكُتل البرلمانية بالمصادقة عليها، خاصة وانه تعهد في كلمته القصيرة بالعمل في تكامل مع الأحزاب والكُتل لما فيه خدمة مصلحة البلاد، مُشيدا بدور الأحزاب في الحياة الديمقراطية وخاصة دورها في تقديم المشاريع والتصورات.

لا يُمكننا الرجم بالغيب وعلينا انتظار موقف الأحزاب السياسية، وخاصة كلمة رئيس الحكومة يوم طلب نيل الثقة، فالي حد اللحظة لم يكشف المشيشي أوراقه، وحافظ على تصوراته وعلى برنامج حكومته، لعله يشتغل عليه بطريقة أكثر عمقا وجدية.

تحدي كبير سيواجه فيه البرلمان، وعليه ان يكون أكثر جرأة وخاصة اكثر وضوحا عند عرض برنامجه لإيقاف النزيف الذي تعانيه البلاد وخاصة للبرهنة على أحقية “حزب الإدارة” ورجال المكاتب في قيادة البلاد بديلا على الأحزاب وسياسييها.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP