حكومة “المغالبة” لن تنجح وإن مرّت!؟
بقلم: خالد شوكات
كنّا نتطلّع إلى نتيجة أفضل، تفرز لتونس الديمقراطية الناشئة الحكومة التي تحتاج، وعلى الرغم من بعض التعثرات التي جرت في بداية المشوار فإن الأمل كان يحدونا في ان تكون الخاتمة جيّدة، لكن ما كل ما يشتهي المرء يدركه، اذ تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، ومن حيث كانت النيّة تتجه الى تعزيز “المصالحة” وجدنا أنفسنا في الشوط الاخير من تشكيل الحكومة الموعودة أمام اعتماد “المغالبة” آلية لحسم الامور، والمغالبة لن تفضي أبدا الى ولادة الحكومة على الشاكلة المطلوبة التي نحتاجها حقّا، حتى وان نجح الغالبون في تمريرها برلمانيا، لأن المغالبة في السياق الديمقراطي لا تنتج الا حكومات ضعيفة عاجزة عن الاصلاح.
ان الإصلاح هو المطلوب لإنقاذ البلاد والديمقراطية، وقد كان الاصلاح الهيكلي مستوجبا منذ نجاح الثورة في بداية 2011، لكنّنا قمنا بتأجيل ذلك لما يقارب العشر سنوات، وكان التبرير غالبا دستوريا وقانونيا وسياسيا، الا ان الوضع لا يمكن ان يستمر على ما هو عليه، فماكينات الوطن معطوبة جزئيا وكلّيا، والإنتاج قليل والجودة محدودة والمديونية متعاظمة والمطلبية متزايدة وقطع الغيار معدومة والسيولة مفقودة والسمعة في خطر والعيال فقدوا التقدير والاحترام لبعضهم وبدأ صراخهم يعلو وأيديهم تتشابك منذرة بما هو اعنف وأقسى ربّما.
تحتاج الاصلاحات الهيكلية الى وزراء من طينة خاصة، أقوياء وأمناء وشجعان من ذوي الصدق والجرأة والبأس والنزاهة واليد النظيفة، وليس الى وزراء العادة ممن قد تأتي بهم الصدف والترضيات والتوصيات والتوازنات الزائفة، اذ لا مجال لإنجاز الاصلاح دون مصلحين، ولا مجال لتحقيق التغيير بأيدي مرتعشة ونفوس مترددة والعقول محدودة، وقد كانت الامور تسير حسب ما نظن في منهجية واضحة تنبئ عن توجه اصلاحي عميق وحقيقي، حتى تبدلت السيرة في الأيام الاخيرة، فعدنا لما رأيناه من قبل، من تسريبات مشبوهة وترضيات محاصصة وتوصيات من مراكز نفوذ غير خافية، وخيّمت على السماء سحب مثقلة بالبرد بدل المطر، وعوض ان يحتفل التونسيون بعيد الحبّ والتوافق تابعوا بيانات الحقد والمكايدة.
دون إطالة، هذه الجمهورية الثانية لن تتمكن من الصمود غالباً، فآلات التنفس الصناعي لم تعد مجدية، وازمات القلب عادت متواترة، والسكتة الدماغية تطل برأسها بين الفينة والأخرى.. لا يمكن للوطن ان يواصل هكذا، وليس للديمقراطية القدرة على الاستمرار دون تنمية مقنعة وعدالة مطيّبة الخواطر المكسورة، وقد بلغ الضرب بين الاخوة والرفاق درجات تحت الحزام، واصبح الغالب على اللعب العرقلة، ولا اظن طرفا من الأطراف المنخرطة في الصراع مستعد للتراجع والمراجعة والتنازل، وعندما تتساوى الرؤوس وتفقد العائلة المرجع والحكم صاحب الصفّارة تختّل الموازين وترتبك وتيرة الحياة ويصبح من الضروري التفكير فيما هو أعمق لإحداث الرجة الايجابية المطلوبة والعودة الى الجادة..
على الديمقراطية ان تبادر من نفسها لتبني حل جذري لأزمتها المستفحلة، أقله الانتقال في أقرب الآجال الى نظام سياسي وقانون انتخابي اكثر تناسبا وملاءمة وتحقيقا للغايات التنموية المنشودة والانتظارات الشعبية المؤجلة، والا فان نماذج امريكا اللاتينية الشبيهة ليست ببعيدة المنال ولا غريبة على الخيال، خصوصا وان نتائج الانتخابات الاخيرة، خصوصا منها الرئاسية، كانت أمريكية لاتينية بامتياز.
Comments