حكومتنا و الكورونا .. ملاحظات حول ادارة الأزمة
حكومتنا، وعلى غرار كل حكومات العالم وخاصة في الدول “الهشة”، تجد نفسها مطالبة باستمرار ضمان استمرارية الدولة أثناء هذه الجائحة الخطيرة، وعليها ان تدرك جيدا ان مواجهة الجائحة تحتاج الى حكومة فعالة وشاملة وخاضعة للمساءلة، وتتسم بالسرعة والابتكار والمرونة والفعالية والشفافية.
منذر بالضيافي
تعاني كل حكومات العالم، من الارتباك وغياب الرؤية، في مواجهة مخاطر انتشار وباء فيروس الكورونا (الكوفيد-19)، ولم تخرج حكومتنا العتيدة عن هذه الحالة الكونية العامة، وان كان هذا لا ينفي وجود قصور لديها، يعود لعوامل محلية خاصة بها دون غيرها، يتداخل فيها “الذاتي” (تركيبة الحكومة تحديدا والمهارات القيادية لأفرادها) ب “الموضوعي” ونعني به السياق الحزبي و السياسي الذي نشأت فيه، والذي ما زال يتحكم في أدائها ومنهجية عملها، دون أن ننسى أن حداثة سنها جعلها لا تتهيأ كما يجب لأزمة استثنائية، تحتاج الى خبرة وكفاءة في ادارة الأزمات.
فالأزمة كما أصبح معلوم مستجدة وغير مسبوقة، ما جعل العديد من زعماء العالم يشبهونها بالحرب العالمية الثانية، وبالتالي يعلنون على أن بلدانهم والانسانية دخلت في حالة حرب، وهو ما شدد عليه الرئيس الفرنسي ماكرون في أكثر من مناسبة، حرب “غير تقليدية”، مع عدو غير مرئي، لكنه يتحرك بسرعة مخلفا ورائه خسائر كبيرة ، في كل المجالات الصحية والنفسية وكذلك الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن أن اثاره المرتقبة علي المشهد “الجيو استراتيجي” الكوني الذي بدأ في طور التشكل، و نعني هنا ترتيبات ما سيكون عليه عالم ما بعد الكورونا.
دون أن ننسى التأكيد على أن الأزمة يتوقع أن تطول، وأن الانسانية ستجد نفسها مكرهة على التعايش ولمدة طويلة مع هذا الفيروس الشرس، لعل في هذا الاتجاه نفهم استعداد عواصم العالم من جنوبها الى شمالها، الى احداث “فتحة” أو “ثغرة” في الحجر الشامل، باتجاه عودة تدريجية للحياة، تحديدا في القطاعات الملحة والضرورية، تجنبا لحدوث الأسوأ، الذي بدأت مؤشراته تطل برأسها، اقتصاديا من خلال توقع انهيار كلي للاقتصاد العالمي، ولعل “اللطخة” البترولية مقدمة لما يمكن ان تؤول اليه الأوضاع، أما اجتماعيا فان تفشي الوباء لم يمنع تبلور وعودة الحراك الاحتجاجي، الذي تشير كل التوقعات والمعلومات الى أنه سيكون في شكل انفجار اجتماعي، ولو تحقق في الواقع ستكون عواقبه كارثية على السلم والاستقرار المجتمعي، هذا وضع ليس خاص ببلد دون اخره بل انه تقريبا قاسم مشترك بينها كلها، بما في ذلك الدول الغنية.
ولعل ما يزيد في تغذية المخاوف الاقتصادية والاجتماعية وكذلك الأمنية، أن الأزمة المترتبة عن الكورونا مفتوحة فالعالم لا يعرف متى ستكون بداية الفرج، والجميع يجد نفسه في وضع رماله متحركة دون رؤية واضحة، مثلما أكدت أخر تقارير المنظمة العالمية للصحة، التي شددت على أن الأزمة ستطول، وهذا ما يجب أن يدركه الجميع خاصة في بلادنا تونس، حيث لاحظنا انتشار سلوكيات “لامبالاة” لدى قطاع واسع من التونسيين، في علاقة بالحجر الصحي وبتطبيق الجوانب الوقائية خاصة المتمثلة في التباعد الاجتماعي، كما لاحظنا أيضا “صدمة” لدى صناع القرار – الحكومة -، ترجمت من خلال “البطء” في اتخاذ القرار وغياب “خارطة طريق” واضحة المعالم ، في التعاطي مع الأزمة وتداعياتها، يتم تعديلها وفق المتغيرات المحلية وكذلك العالمية، وأخيرا “صمت اتصالي” يكشف عن “الارتباك” في ادارة الأزمة.
ولعل الخروج الاعلامي الاخير، لرئيس الحكومة الياس الفخفاخ يؤكد ما ذهبنا اليه، فقد كان دون المأمول، من ذلك أنه لم يجب عن الأسئلة التي يطرحها الشارع التونسي، واختار الدخول في اثارة جزئيات جعلت مجمل اللقاء خارج الموضوع، وكان عليه – ربما – وفي غياب مضامين وقرارات واجراءات جديدة، أن يكتفي بإصدار بلاغ حول التمديد في الحجر، وفي الشروع في الرفع التدريجي أو “الموجه” وفق تعبيره بداية من 4 ماي المقبل.
بالمناسبة نشدد، على أن المطلوب اليوم من حكومتنا العتيدة، هو وضع خطة اتصالية يقظة في التعاطي مع الأزمة وتداعياتها، ثم الاعلان عن استراتيجية في شكل جدول، يتضمن حزمة من الاجراءات في علاقة ببداية الخروج من الحجر، وأن يخضع كل تعديل الى اعلام مسبق، على غرار ما هو معمول به في تجارب بلدان أخري، ليس هناك حرجا في الاستفادة منها، مع مراعاة خصوصية وضعنا المحلي المؤسساتي والمجتمعي.
ان حكومتنا، وعلى غرار كل حكومات العالم وخاصة في الدول “الهشة”، تجد نفسها مطالبة باستمرار ضمان استمرارية الدولة أثناء هذه الجائحة الخطيرة، وعليها ان تدرك جيدا ان مواجهة الجائحة تحتاج الى حكومة فعالة وشاملة وخاضعة للمساءلة، وتتسم بالسرعة والابتكار والمرونة والفعالية والشفافية.
ان تونس اليوم تواجه أوضاع معقدة جدا، وهو ما يفترض رؤية تقدم حلولا معقدة من جنس المشاكل ذاتها، وبعيدا عن جلد ذواتنا ، لا نجد لهذه الرؤية أية أثر، وللأمانة والموضوعية، فان غيابها ليس من مسؤولية حكومة الفخفاخ، وانما هي مسؤولية كامل السياق الذي جاء بعد الثورة.
يحتم الوضع الحالي وجود نخبة سياسية، ذات خيال سياسي قادر على ابتداع الحلول واستباق الأزمات، وليس حكومة وظيفية، يقتصر دورها على احداث “ترقيعات” قد تخفف من حدة الاحتقان، لكنها لا تؤسس لمشروع وطني ، بقدر ما قد تساهم في تمييعه وافقاده المعنى، وبالتالي وأد الحلم في الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية والكرامة، التي انتفض التونسييون ذات 14 جانفي من أجلها.
بالنظر للمشهد التونسي اليوم بكل جوانبه وتعقيداته، نقول بأن النخبة الحالية – سلطة ومعارضة..حداثيين واسلاميين – لا تمتلك الحلول المناسبة بل أن عقلها السياسي -ان كان لها أصلا- في حالة عجز وعطالة، فهي في قطيعة مع ما يجري في رحم المجتمع التونسي من مشاكل ومن تطلعات.
كما أنها -وهذا المهم- لا تحمل مشاريع بقدر ماهي غارقة في السياسة “السياسوية” المبنية على فكرتي الهيمنة/النفوذ والغنيمة.
في ظل هذا “البلوكاج السياسي”، يبدو أن الحراك المجتمعي الذي مازال يعبر عن نفسه بطرق محتشمة ولم يتبلور في حركات اجتماعية، سيكون هو من سيحدد مسار تطور الأحداث في الأشهر والسنوات القادمة، وأنه هو من سيفرز نخبة جديدة تقود البلاد، بعيدا عن التسويات الحزبية والشخصية، نحو أفق اخر يستعيد حلم بناء المشروع الوطني.
Comments