حوار وطني: دون خارطة طريق و دون رعاة .. هل يكتب له النجاح ؟
هشام الحاجي
لا يحتاج الكشف عن الأزمة السياسية التي تعيشها تونس منذ الانتخابات الرئاسية و التشريعية الأخيرة إلى جهد كبير. ذلك أن مجلس نواب الشعب قد تخلى تقريبا عن مهمته الأصلية في التشريع و التفاعل الرصين مع السلطة التشريعية ليتحول إلى فضاء لمهاترات لا تنتهي و لمناورات سياسوية تعيق الأداء أكثر مما تدفعه.
أما رئيس الجمهورية فانه لم يستوعب لحد الآن أن ” الحملة التفسيرية “التي اوصلته إلى رئاسة الجمهورية قد انتهت منذ عام و أنه مدعو للتخلي عن رداء المترشح و ارتداء زي رئيس للجمهورية مدعو للانجاز و للتخلي عن الاستغراض.
كما أن الإستقرار الحكومي يبدو أيضا أمرا صعب المنال لحد الآن إذ تشكلت حكومتان باشرتا المهام بعد أن ضاع بعض الوقت في تشكيل حكومة اسقطتها مناورات اللحظة الأخيرة.
يضاف إلى ذلك في المستوى السياسي رفض متبادل بين أهم الأحزاب السياسية يجعل من حوارها أمرا صعبا حتى لا نقول مستحيلا و لامبالاة من المواطنين تزداد يوما بعد يوم.
هذه الخلفية تبرز الحاجة المتاكدة لمبادرة من شأنها أن تساهم في الدفع نحو تجاوز هذا الوضع الذي لا يترك إلا فرضيتين ” مزعجتين ” و هما الانزلاق نحو الفوضى أو إعادة إنتاج الوضع الحالي و السقوط في التسلطية.
و هنا تبدو مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل و أمينه العام نور الدين الطبوبي في الدعوة إلى حوار وطني للخروج من الأزمة السياسية خطوة إيجابية في حد ذاتها و لا يمكن إلا الإشادة بها.
و لكن النتائج في السياسة أهم من النوايا و هو ما يفرض مساءلة السياق الذي تتنزل فيه هذه المبادرة لتوقع قدرتها على اختراق حائط سوء الفهم الذي ما انفك يزداد سمكا بين أهم الفاعلين السياسيين.
لا يبدو رئيس الجمهورية قيس سعيد من الذين يقبلون الجلوس إلى طاولة الحوار بسهولة و هو الذي يعتبر أنه يحمل رسالة ” ضرب النسق ” من الداخل و لم يبرع خلال السنة الأولى من عهدته السياسية في كل مرة التقى فيها من يختلف معه في الرأي إلا في أداء ” مونولوغ ” في المعرفة و خاصة في ” احتكار ” القدرة على تأويل الدستور .
و توحي الخطوات الأخيرة التي اتخذها و خاصة استعادة رئيس حملته الانتخابية على أنه غير متحمس لحوار لا يحقق له ما يريد من مكاسب.
و ليس وضع رئيس مجلس نواب الشعب في الإستعداد للحوار بأفضل من وضع رئيس الجمهورية إذ يعتبر أن الحوار الوطني هو ” كلمة حق يراد بها باطل ” و أن الهدف من إطلاقه هو الالتفاف بشكل نهائي على نتائج الانتخابات التشريعية و تقديم جرعة من الأوكسجين لرئيس الجمهورية الذي أصبح معزولا من الناحية السياسية و الذي يخوض مع رئيس البرلمان حرب كسر عظام سياسية و شخصية.
و هناك في صفوف حركة النهضة ما يشبه الإجماع على التوجس من ” الحوار الوطني ” و اعتباره مدخلا لاستبعاد النهضة من دوائر القرار خاصة و أن التحولات الإقليمية والدولية و تداعياتها الممكنة لا تمثل عامل اطمئنان للنهضويين و تجعلهم أكثر توجسا.
و حتى نور الدين الطبوبي فإن ما يحظى به كأمين علم للإتحاد العام التونسي للشغل من تقدير لا يحول من أن بعض المعنيين بالحوار الوطني من الاحتراز حول حياده و يعتبر أن ما عبر عنه من مواقف يجعله أقرب من رئيس الجمهورية علاوة على أن وضعه داخل الاتحاد العام التونسي للشغل قد تأثر و لو نسبيا بمعركة تنقيح الفصل العشرين من القانون الأساسي للمنظمة النقابية.
سياق 2020 يختلف عن سياق 2013 الذي شهد إطلاق و نجاح الحوار الوطني الذي أنقذ البلاد من الانزلاق نحو الفوضى و المجهول.
فقد اهترات شرعية المجلس الوطني التأسيسي لتجاوز مدة الولاية التي تحصل عليها بموجب الإنتخابات و أبدى المرزوقي كرئيس مؤقت و مصطفى بن جعفر كرئيس للمجلس الوطني التأسيسي تجاوبا واضحا مع مبادرة الحوار الوطني و تفاعل الباجي قائد السبسي كزعيم للمعارضة بطريقة ساهمت في الوصول إلى طاولة الحوار الوطني شأنه شأن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي هذا دون أن ننسى أن حسين العباسي كان يتمتع بوصفه أمينا عاما للإتحاد العام التونسي للشغل في تلك الفترة بدعم أكبر من النقابيين.
غياب قيادات راغبة في الحوار الوطني و قادرة على انجاحه قد يحول دون تحقيق رغبة نورالدين الطبوبي في جمع الفرقاء السياسيين على طاولة واحدة حتى و إن كان هذا اللقاء قد أصبح أكثر من ضروري.
Comments