خاص/ رأي الأستاذ كمال بن مسعود في مشروع قانون التفويض لرئيس الحكومة على معنى الفصل 70 من الدستور
تونس- التونسيون
شرعت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية بمجلس نواب الشعب في مناقشة مشروع القانون الذي أحالته مؤخرا الحكومة حول طلب التفويض على معنى الفصل 70 من الدستور. كما شرعت اللجنة أيضا في الاستماع لمختصين في القانون، منهم الأستاذ الجامعي والمحامي كمال بن مسعود، الذي تنشر “التونسيون” نص “الرأي/ الوثيقة” التي تقدم بها للجنة حول مشروع التفويض.
في ما يلي نص “الرأي/الوثيقة”:
تبعا للإستشارة الواردة علينا من لجنة النظام الداخلي بمجلس نواب الشعب بخصوص مشروع قانون تقدمت به الحكومة يستهدف التفويض إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم طبقا للفقرة الثانية من الفصل 70 من الدستور لغرض مجابهة تداعيات إنتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) و تأمين السير العادي للمرافق الحيوية.
إن المسائل المطروحة تتعلق بمعرفة :
- مدى تعارض اللجوء إلى تفعيل آلية الفصل 70 فقرة 2 من الدستور مع تفعيل رئيس الجمهورية للفصل 80 منه؟
- مدى إمكانية تحديد مجالات التفويض ؟
- مدى إمكانية إستشارة المجلس ( مكتب المجلس و خلية الأزمة) قبل إصدار المراسيم التي ستتخذ بناء على التفويض.
و للإجابة يشرفني إبداء الرأي القانوني الآتي عرضه.
توطــــــــــــــــــئة:
تمثل المراسيم إستثناءً للممارسة الشخصية للوظيفة التشريعية من قبل مجلس نواب الشعب. وتعرف المراسيم على أنها نصوص تتضمن قواعد عامة، مجردة وملزمة تصدرها السلطة التنفيذية (رئيس الحكومة على معنى الفصل 70 فقرة 2 من الدستور أو رئيس الجمهورية بالتوافق مع رئيس الحكومة على معنى الفقرة الاولى من الفصل 70 المذكور ) في مجالات القانون أي في مجال تدخل السلطة التشريعية كيفما حدده أساساً الفصل 65 من الدستور بإستثناء النظام الإنتخابي الذي لا يمكن أن ينظم بمراسيم طبق ما اقتضته الفقرة الأخيرة من الفصل 70 ، وهو تدخل وقتي ولمدة معينة .
إن المراسيم ليست وسيلة دائمةً لسن القواعد القانونية بدليل وجوب عرضها على مصادقة المجلس بعد إنتهاء المدة المحددة لاصدارها ( المدة الفاصلة بين حل مجلس النواب وإنتخاب مجلس جديد على معنى الفصل 70 فقرة أولى أو المدة المبينة بقانون التفويض والتي لا يمكن أن تتجاوز شهرين على معنى الفصل 70 فقرة ثانية من الدستور . وطالما أن الأمر يتعلق في صورة الفصل 70 فقرة ثانية من الدستور بالتفويض وبما أن التفويض هو إستثناء لمبدأ الممارسة الشخصية للإختصاص فإنه يتجه التذكير بالمبادئ الأساسية التالية :
1 – إنه لا إختصاص دون نص يسنده .
2- أن الإختصاص لا يستنتج وانما يسند بنص صريح.
3- أن الإختصاص المسند لسلطة معينة يحجب عن باقي السلط .
4- إن الأصل أن كل سلطة تمارس اختصاصها بنفسها .
5- أن لا تفويض دون نص يجيز ذلك التفويض .
6- أن النص المرخص في التفويض يجب أن يكون من نفس قيمة النص المسند للإختصاص أو نص أعلى منه .
7- أن التفويض يمثل إستثناء للممارسة الشخصية للإختصاص من قبل السلطة صاحبة ذلك الإختصاص .
8- أن الاستثناءات لا يمكن التوسّع فيها وتخضع لقاعدة التأويل الضيق .
9- أن التفويض لا يكون إلى جزئياً ولا يمكن أن يشمل كل الصلاحيات.
الإجـــــــــــــــــــــــــــــــــــابة:
- I) في مدى تعارض تفعيل آلية الفصل 70 مع تفعيل آلية الفصل 80 من الدستور:
تزامن تقديم مشروع القانون المتعلق بالتفويض لرئيس الحكومة إصدار مراسيم على معنى الفصل 70 من الدستور مع تفعيل رئيس الجمهورية لآلية الفصل 80 من الدستور بموجب الأمر عدد 24 لسنة 2020 المؤرخ في 18 مارس 2020 المتعلق بمنع الجولان بكامل تراب الجمهورية والأمر عدة 28 لسنة 2020 المؤرخ في 22 مارس 2020 المتعلق بتحديد الجولان والتجمعات خارج أوقات منع الجولان (ما يعرف بالحضر الصحي الشامل ).
إن تفعيل الفصل 80 من الدستور من قبل رئيس الجمهورية رغم ما اتسم به من غياب الوضوح ، هو أمر لا نزاع فيه بدليل :
1) أن رئيس الجمهورية يحيل ضمن اطلاعات الأمرين المذكورين عدد 24 وعدد 28 إلى الدستور وخاصةً الفصل 80 منه .
2) أن صدور الأمرين المذكورين قد تم بعد إستشارة كل من رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة ، وهي إستشارة مشترطة كإجراء وجوبي بالفصل 80 من الدستور وغير مشترطة عند ممارسة رئيس الجمهورية لصلاحياته العادية وإصداره للأوامر الرئاسية .
3) أنه بمناسبة إصدار كل واحد من الأمرين وما تضمناه من تدابير قام رئيس الجمهورية بالإعلان عنهما في بيان للشعب مثلما يقتضي ذلك الفصل 80 من الدستور .
4) أن عدم إعلام رئيس المحكمة الدستورية من قبل رئيس الجمهورية بالتدابير المتخذة تفعيلاً للفصل 80 من الدستور يعود إلى عدم تركيز المحكمة المذكورة بعد .
إن ما جعل البعض يتساءل عن مدى جواز اللجوء إلى الفصل 70 فقرة 2 من الدستور بعد تفعيل رئيس الجمهورية للفصل 80 منه هو ما قد يبدو في الظاهر من إمكانية التعارض بين الآليتين إلى حد التناقض .
إن تفعيل الية الفصل 70 من الدستور يجد تبريره في ضرورة “التشريع السريع ” لمجابهة حالات التأكد وليس مقصوراً على الجوائح أو الكوارث الطبيعية …أي أن تفعيل الفصل 70 فقرة 2 جائز في كل مرة دعت الحاجة إلى سن أحكام تشريعية وكانت الاجراءت العادية للتشريع غير ملائمة من حيث بطؤها . فآلية الفصل 70 يمكن تفعيلها مثلاً عند الحاجة لإتخاذ تدابير إقتصادية أو مالية أو إجتماعية عاجلة لا تحتمل الإنتظار ، أو لملاءمة التشريعات الوطنية مع إلتزامات دولية للجمهورية التونسية مقيدة بآجال قصيرة ، أو لسن أحكام تشريعية لمجابهة كارثة طبيعية أو بيئية أو صحية مثلما هو الحال فيما يتعلق بتداعيات تفشي فيروس كورونا .
أما تفعيل الفصل 80 من الدستور فهو مقصور على “حالة الإستثناء ” أو ما يعرف أيضاً ” بالظروف الاستثنائية ” المتمثلة في “خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة ” مثل حالة العدوان الخارجي على البلاد أو محاولة الإنقلاب أو حالة العصيان والسعي إلى تفكيك الدولة …عندها ينفرد رئيس الجمهورية بإتخاذ كل التدابير التي تحتمها تلك الحالة بغاية تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الاجال ، ويتدخل بالتالي في كل المجالات سواء تلك الراجعة له والداخلة في اختصاصه أو تلك الداخلة في إختصاص الحكومة أو البرلمان بإستثناء حل مجلس النواب . لكن هذا النفوذ الواسع لرئيس الجمهورية غير مطلق وتحكمه قيود أهمها رقابة المحكمة الدستورية التي تأتي بعد مضي ثلاثين يوماً على سريان التدابير الإستتنائية المتخذة من قبل رئيس الجمهورية، وتقرر بناءً على طلبٍ من رئيس مجلس نواب الشعب أو 30 من اعضائه إستمرار الحالة الإستثنائية من عدمه .
إن تفعيل رئيس الجمهورية للفصل 80 من الدستور يقلص من مجال تفعيل الية الفصل 70 فقرة 2 من قبل رئيس الحكومة ولا يمنع من تفعيل تلك الآلية . فإذا تدخل رئيس الجمهورية على معنى الفصل 80 و إتخذ تدابير إستثنائية فإنه لا يمكن لرئيس الحكومة ( أو غيره ) أن يتدخل بموجب مراسيم في ميادين أو مسائل مشمولة بعد بالتدابير الرئاسية الإستثنائية . أما ما لم تشمله التدابير الرئاسية الإستثنائية المتخذة تفعيلاً للفصل 80 من الدستور فيبقى جائز التدخل فيها من رئيس الحكومة بمراسيم إذا فوض المجلس النيابي اتخاذها على معنى الفصل 70 فقرة 2 من الدستور.
بالرجوع إلى الواقع السياسي والدستوري اليوم 28 مارس 2020 يتضح جلياً أن رئيس الجمهورية عند تفعيله للفصل 80 من الدستور ارتأى بما له من سلطة تقديرية أن تقتصر التدابير الإستثنائية على منع الجولان بكامل تراب الجمهورية ( الأمر عدد 24 لسنة 2020) والحظر الصحي الشامل (الأمر عدد 28 لسنة 2020).
لقد كان بوسع رئيس الجمهورية أن يتوسع في التدابير الإستثنائية غير أنه آثر الإبقاء على مجال لتدخل رئيس الحكومة لإتخاذ إجراءات أخرى بموجب أوامر حكومية أو مراسيم بدليل :
1) أنه لم يكن هنالك أي مانع دستوري أمام رئيس الجمهورية لإتخاذ تدابير إقتصادية وإجتماعية ومالية وإدارية …تطبيقاً للفصل 80 من الدستور وبعد إستشارة رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة .
2) أن رئيس الجمهورية على تمام العلم بتقديم مشروع القانون المتعلق بتفويض رئيس الحكومة لإصدار مراسيم لمجابهة تداعيات جائحة كورونا ولم يعبر عن معارضته في ذلك ولم يدفع برجوع الاختصاص الكامل اليه فيما يتعلق بالاجراءت والوسائل الواجب اتخاذها في مثل هذا الوضع .
إن إحجام رئيس الجمهورية عن التدخل بالتدابير الاستثنائية المخولة له بموجب الفصل 80 من الدستور وجعلها شاملة لكل الوسائل والآليات الكفيلة بمجابهة تداعيات الجائحة قد يجد تبريره في قناعته بأن المجابهة المذكورة هي شأن جميع السلطات التي عليها أن تتعاون وتعمل في إنسجام وأن تقوم كل سلطة بما هي الأقدر عليه . وبهذا المنطق يمكن الجزم بأن الحكومة ، بما تضمه من كفاءات وما تستند إليه من إدارات عمومية وما لها من وسائل مادية …هي الأقدر على إتخاذ وتفعيل الإجراءت والوسائل المتنوعة الكفيلة بمجابهة تداعيات جائحة كورونا على المستويات الإقتصادية و الإجتماعية و المالية و البيئية و الأمنية …
يتضح في هدي ما تقدم بسطه أن لا تعارض بين تفعيل الفصل 80 من الدستور من قبل رئيس الجمهورية وبين لجوء رئيس الحكومة إلى تفعيل الفقرة 2 من الفصل 70 من الدستور بل إن بينهما تكاملا لا مراء فيه .
تجدر الإشارة في الأخير واستئناساً بالقانون المقارن أنه لمجابهة تداعيات جائحة كورونا في فرنسا :
1) لم يتم اللجوء إلى آلية الفصل 16 من دستور فرنسا الصادر في 04 أكتوبر 1958 المتعلق بإعلان الحالة الإستثنائية من قبل رئيس الجمهورية (ما يقابل آلية الفصل 80 في تونس )
2) تم سن قانون بتاريخ 23 مارس 2020 يخص حالة الطوارئ الصحية تضمن أحكاماً تخص حالة الطوارئ الصحية والتفويض للحكومة في إصدار مراسيم لمجابهة تداعيات جائحة كورونا.
و تفعيلاً لقانون التفويض اصدرت الحكومة عدداً من المراسيم أيام 25 و 27 مارس 2020 وعديداً من الأوامر التطبيقية لها أو الأوامر الداخلة بطبيعتها في مجال السلطة الترتيبية .
(يراجع القانون الفرنسي عدد 2020/290 بتاريخ 23 مارس 2020 يتعلق بحالات الطوارئ الصحية ).
II في مدى إمكانية تحديد مجالات التفويض بمشروع القانون موضوع الإستشارة:
بالإطلاع على مشروع القانون موضوع الإستشارة يتضح أنه تضمن في فصله الأول فقرة ثانية تم فيها حصر مجالات التفويض والتي اشتملت على 14 مطة ( من المطات الثلاثين المذكورة بالفصل 65 من الدستور والممثلة لمجالات تدخل القانون في الأصل ) والتي يطلب بشأنها رئيس الحكومة التفويض له في إصدار مجابهة تداعيات جائحة كورونا.
وقد يرى من يطلع على هذه الفقرة الثانية مبالغة في تعداد المجالات التشريعية المطلوب فيها التفويض لإصدار مراسيم من قبل رئيس الحكومة ، كما قد يرى البعض أنا عدداً من تلك المجالات لا علاقة له بما تقتضيه مجابهة جائحة كورونا ( مثل مجال إحداث اصناف المؤسسات العمومية ، العفو العام ، التهيئة الترابية والعمرانية،التخطيط الإقتصادي ، المبادئ الأساسية لنظام الملكية والحقوق العينية …) وقد يتوجس البعض الأخر خيفةً من إستعمال آليات المراسيم هذه لتمرير أحكام أصلية وإصلاحات هيكلية ما كان بالإمكان تمريرها عبر مجلس نواب الشعب .
إن التساؤل عن مدى إمكانية تحديد مجالات التفويض هو تساؤل مشروع وتحدوه رغبةٌ واضحةٌ في أن يبقى التفويض محافظاً على طابعه الإستثنائي وأن لا يفوض المجلس من صلاحيته التشريعية لرئيس الحكومة إلى ما تقتضيه ضرورة التصدي لتداعيات جائحة كورونا.
غير أن التساؤل يجب أن يطرح ( ولبلوغ نفس الغاية أي الصبغة الاستثنائية للتفويض ) لا في مستوى مجالات التفويض وانما في مستوى الغرض المعين الذي من أجله سيمنح التفويض . فالفصل 70 فقرة 2 من الدستور جعل ضابطين أساسيين للتفويض :
1- لا يكون التفويض إلا لمدةٍ محدودة لا تتجاوز الشهرين . وهذا الظابط لا يطرح اشكالاً لشدة وضوحه . فللمجلس إذا ارتأى وجاهة التفويض لرئيس الحكومة إصدار مراسيم، أن يحدد له المدة بكل دقةٍ : شهر أو شهر ونصف أو شهرين على أقصى تقدير وبحسب ما يتطلبه الغرض من التفويض .
2– لا يكون التفويض إلا لغرضٍ معين .
يمثل الغرض المعين في الوقت ذاته الأساس المبرر للتفويض والحد للتفويض .
* إن “الغرض المعين “يمثل المبرر للتفويض الذي لا يصح دونه . فاللجوء إلى تفعيل آلية التفويض من المجلس ب 3/5 اعضائه إلى رئيس الحكومة لممارسة الوظيفة التشريعية يجب أن يجد ما يبرره أي أن يكون هنالك “غرض معين ” يستدعي التشريع بصورة مستعجلة أسرع بكثير من الاجراءات العادية ( أو حتى التي فيها إستعجال نظر ) لسن القوانين . فوجود الغرض المعين هو الذي يجعل التفويض مستساغاً في مبدئه . لذلك فإن كل مشروع قانون يقدم على معنى الفقرة 2 من الفصل 70 يجب أن يبين فيه الغرض الذي يستدعي الخروج عن المبدأ ويبرر تفعيل الإستثناء . فذكر “الغرض” يمثل شرط صحة لقبول النظر في مشروع القانون . فإذا خلا مشروع القانون من ذكر الغرض من التفويض يرفض شكلاً .
*كما يمثل ” الغرض المعين” الحد الذي يقف عنده التفويض ، أي أن نطاق التفويض أو المجالات التشريعية التي ستكون موضوعاً للتفويض لا يحدد جزافاً أو بصورةٍ تقريبية ، بل تتحدد وفق ” الغرض “ من التفويض . لذلك فإنه لابد من تحديد ” الغرض المعين” من التفويض بكل دقةٍ ووضوح لأن الامر يتعلق بتفويض أي بنقل مؤقت وجزئي للصلاحيات التشريعية وهو ما يفرض أن لا يتجاوز ذلك النقل للصلاحيات الغاية التي تم من أجلها .
إن تعداد مجالات التفويض بالقانون الذي سيصدر على معنى الفقرة 2 من الفصل 70 من الدستور ليس مجدياً لسببين على الأقل : فمن جهةٍ يمكن أن تشمل القائمة مجالات لا علاقة لها بالغرض من التفويض (تفويض زائد و لا مبرر له و بالتالي غير دستوري) و من جهة اخرى يمكن ان تخلو تلك القائمة من مجالات يقتضيها الغرض من التفويض خاصةً إذا كان ذلك الغرض متغيراً في بعض جوانبه مثلما هو ” الغرض المعين” بمشروع القانون موضوع الإستشارة والمتمثل في مجابهة تداعيات جائحة كورونا التي لا خلاف في أنها متغيرة من أسبوع إلا أسبوع وأحياناً من يوم إلا يوم ، وهو ما سيضطر الحكومة إلا طلب تفويض جديد …
يستخلص مما سبق بيانه أن تحديد مجالات التفويض على معنى الفصل 70 فقرة 2 لا يكون بتعداد مجالات القانون التي سيشملها التفويض مثلما ورد بمشروع القانون موضوع الإستشارة بل يكون ببيان الغرض من التفويض بكل دقة ووضوح ، ذلك أن تقييم مدى دستورية أي مرسوم سيصدر بناءً على التفويض طبق الفصل 70 فقرة 2 من الدستور يكون بالنظر إلا مدى علاقته الوثيقة والمباشرة بمجابهة تداعيات تفشي جائحة كورونا وتأمين السير العادي للمرافق الحيوية .
و غني عن البيان في هذا الصدد بأن الحكومة قد تحملت مسؤولياتها الدستورية عندما لجأت إلى تفعيل آلية الفصل 70 فقرة 2 من الدستور. و لم تركن إلى إتخاذ كل الإجراءات التي تقتضيها مجابهة تداعيات جائحة كورونا على بلادنا دون الرجوع للمجلس وهو أمر كان من الممكن أن يؤدي إلى إعتداءات عديدة على إختصاص مجلس نواب الشعب، لأن من ضمن الإجراءات الضرورية تدابير تدخل في مجال القانون و لا يمكن إتخاذها بموجب أوامر حكومية . علما و أن بعض الإجراءات المتخذة إلى حد هذا التاريخ من قبل الحكومة مشكوك في مشروعيتها بالرغم من كونها كانت ضرورية و مبررة بالحفاظ على صحة و أمن المواطنين رغم أن فقه القضاء الإداري يعتبر أن حالة الطوارئ تجعل من بعض الأعمال اللاشرعية في الظروف العادية أعمالا شرعية و البعض من العيوب التي تشوبها مغتفرة بسبب ما تفرضه حالة الطوارئ .
غير أن مشروع القانون المقدم من الحكومة يستدعي إدخال تعديلات عليه في ثلاثة مستويات على الأقل :
1- في مستوى صياغة العنوان الذي تضمن الإشارة إلا سند التفويض ” طبقاً لفقرة 2 من الفصل 70 من الدستور ” عوض أن يتضمن ذكر موضوع التفويض أي الغرض من التفويض .
ويقترح أن يكون العنوان كالاتي :
” مشروع قانون يتعلق بالتفويض إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات إنتشار فيروس كورونا (كوفيد-19)”
2- في مستوى صياغة الفصل الأول :
– يقترح حذف الفقرة الثانية بأكملها .
-إعادة صياغة الفصل الأول ليكون متكوناً من ثلاث فقرات كالاتي :
الفصل الأول:
“طبقا للفقرة 2 من الفصل 70 من الدستور يفوض إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات إنتشار فيروس كورونا (كوفيد -19) وتأمين السير العادي للمرافق العمومية الأساسية والأنشطة الخاصة الحيوية .
يسري هذا التفويض مدة شهرين ابتدئاً من دخول هذا القانون حيز النفاذ.
تقتصر المراسيم الصادرة إستناداً إلى هذا التفويض على سن قواعد واجراءات واتخاذ تدابير تكون غايتها تحقيق الغرض المبين بالفقرة الأولى أعلاه دون سواه .”
ويمكن أن تصاغ الفقرة الثالثة للفصل الأول بطريقةٍ أخرى كالاتي : ” يمكن لرئيس الحكومة أن يتخذ بموجب المراسيم الصادرة إستناداً إلى هذا التفويض ولتحقيق الغرض المبين بالفقرة الأولى أعلاه جميع التدابير الرامية على وجه الخصوص إلى :
-تكييف الاجراءات والآجال القضائية والإدارية واختصاصات المحاكم بما يتناسب مع الأوضاع الجديدة الناتجة عن تفشي فيروس كورونا .
– تأمين توزيع المواد الغذائية الأساسية والأدوية واستمرار الأنشطة والمرافق الحيوية و التصدي للإحتكار و التهريب .
-تنظيم إستكمال السنة الدراسية والجامعية وتنظيم الإمتحانات والمناظرات الوطنية .
-….(يمكن إضافة إلى هذه المطات جميع الاجراءات المزمع اتخاذها في خطوطها العريضة مع الاستئناس بالنموذج الفرنسي وبالتحديد الفصول المتعلقة بالتفويض للحكومة في إصدار مراسيم التي تضمنها القانون الفرنسي عدد 2020/290 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية الصادر في 23 مارس 2020 .)
3– إعادة صياغة الفصل الثاني ليكون كالاتي:
“تعرض المراسيم الصادرة إستناداً إلى هذا التفويض وجوباً على مصادقة مجلس نواب الشعب في أجل أقصاه عشرة أيام من إنقضاء مدة التفويض المبينة بالفصل الأول .
يتوقف العمل بكل مرسوم لم يعرض على المصادقة في الأجل المبين بالفقرة الأولى من هذا الفصل “
الفصل 3 من مشروع القانون يظل على حاله .
III في مدى إمكانية التنصيص صلب قانون التفويض على وجوب إستشارة المجلس قبل إصدار المراسيم .
إن هذه الإمكانية غير واردة للأسباب التالية :
1- لأن إجراء الإستشارة لم يأت به الفصل 70 من الدستور .
2- لا يصح الدفع بأنه ولئن لم ينص الفصل 70 على الإستشارة فإنه لا يحول دونها لأن القول بذلك فيه تنكر لقواعد الإختصاص ( لا إختصاص دون نص ، الإختصاص لا يستنتج …)
3- لأن التفويض هو نقل للصلاحيات من صاحب الإختصاص إلى المفوض له ولا يجوز تبعاً لذلك لمن فوض اختصاصه أن يطلب من المفوض له استشارته قبل مباشرة ذلك الإختصاص .
4- إن آلية الفصل 70 فقرة 2 قائمة على فكرة سرعة التصدي عن طريق التشريع و إنجاز الغرض من ذلك وهي تتجافى وجميع المعطلات بما في ذلك إجراء الإستشارة. وللاستئناس فإن فقه القضاء الفرنسي أعفى المراسيم الصادرة بناءً على تفويض من البرلمان من جميع الشكليات المستوجبة لصدور النصوص التشريعية ومن ضمنها الاستشارات الوجوبية .
إن هذا الموقف القانوني الذي يقصي إجراء الاستشارة بمناسبة إصدار المراسيم طبق الفصل 70 من الدستور لا يمنع من الناحية السياسية من التشاور بين الحكومة والبرلمان بمناسبة إصدار تلك المراسيم على أن يكون ذلك وفق صيغةٍ سريعة وعبر هيكل مشترك ذو تركيبة مخففة ، خاصةً أنا تلك المراسيم ستعرض على مصادقة المجلس بعد شهرين .
إن التساؤل عن مدى إمكانية إستشارة المجلس ( المكتب وخلية الأزمة) قبل إصدار المراسيم ينم عن رغبة في إجراء رقابة قبلية و يحدوه في الحقيقة تخوف من التجاوزات من قبل رئيس الحكومة للغرض من التفويض. لكنه تخوف في غير محله لوجود ضمانات عديدة تحول دون وقوع تلك التجاوزات أو دون تواصلها إن وقعت :
– فالمراسيم نصوص وقتية لا يتعدى نفاذها المبدئي شهرين ، ثم تعرض على المصادقة ، وبإمكان المجلس الغاؤها كلياً أو المصادقة عليها بعد تخليصها مما قد يكون شابها من تجاوز .
– في انتظار عرضها على المصادقة تكون للمراسيم طيلة مدة نفادها قيمة أدنى من التشريع وتصنف كمقررات إدارية تلحق من حيث نظامها القانوني بالأوامر الترتيبية وتكون بالتالي قابلة للطعن فيها بالإلغاء أمام المحكمة الإدارية كما يمكن طلب توقيف تنفيذها من قبل الرئيس الأول لذات المحكمة إذا كانت مشوبة باللاشرعية ومن شأن تنفيذها أن تنجر عنه نتائج يصعب تداركها على معنى القانون الأساسي عدد 40 لسنة 1972 المؤرخ في 1 جوان 1972 المتعلق بالمحكمة الإدارية .
– لأن المراسيم ستكون قبل اصدارها محل مداولةٍ من مجلس الوزراء وهو ما يتيح الفرصة لتسليط رقابة عليها تحول دون مساوئ إستئثار رئيس الحكومة باصدرها ، بل انها ستصدر بعلم وموافقة من أعضاء الحكومة الممثلين في غالبيتهم للاحزاب التي منحت الثقة للحكومة .
يتجه التنبيه في الأخير إلى أن جميع المراسيم التي ستصدر بناء على الفقرة 2 من الفصل 70 من الدستور محكومة فيما يتعلق بسلامتها القانونية بواجبين :
– واجب التقيد المطلق بالغرض المبين بقانون التفويض .
– واجب إحترام ما يعلوها من مصادر للقانون أي المعاهدات المصادق عليها من الجمهورية التونسية من جهةٍ والدستور من جهةٍ ثانية .
الخلاصة :
1) إن تفعيل الية الفصل 70 فقرة 2 من الدستور يتكامل مع تفعيل رئيس الجمهورية للفصل 80 منه ولا يتعارض معه .
2) إن ما يقتضيه الفصل 70 فقرة 2 من الدستور ليس تحديد مجال التفويض بل تحديد مدة التفويض من جهة و من أخرى وبوجه خاص بيان الغرض المعين الذي من أجله سيمنح التفويض .
3) إن الدستور لم يكرس أي واجب للإستشارة قبل إصدار المراسيم على معنى الفصل 70 فقرة 2 منه .
الأستاذ كمال بن مسعود
أستاذ القانون العام و المحامي لدى التعقيب
الهاتف:98301833 البريد الإلكتروني : benmessaoud.kamel@yahoo.fr
Comments