خطاب الرئيس سعيد في عيد المرأة .. يخلف تساؤلات وتخوفات !
خديجة زروق
هناك نقطة التقاء يمكن ابرازها في خطب ومحاضرات رئيس الجمهورية قيس سعيد و علم المنطق، و تتمثل في أن غياب مضمون واضح لا يعني بالضرورة غياب الدلالات.
و ينطبق هذا التشابه إلى حد كبير على الكلمة التي ألقاها رئيس الجمهورية مساء أمس في إطار الموكب الذي احتضنه قصر الجمهورية بقرطاج احتفالا بالذكرى الرابعة و الستين لصدور مجلة الأحوال الشخصية.
فمن حيث الشكل يصعب إلى حد كبير الجزم بأن قيس سعيد قد ألقى خطابا يطغى عليه مضمون سياسي و هو ما يفترض في مناسبة سياسية بامتياز و من شخصية تمثل واحدة من أهم المؤسسات السياسية ، و في سياق سياسي أقل ما يقال عنه أنه ساخن و لا يخلو من مخاوف و غموض، يتعين على رئيس الجمهورية المساهمة في إزالتها و تبديدها.
كلمة قيس سعيد لم تكن أيضا محاضرة أكاديمية أو درسا جامعيا مكتمل الأركان ، فاخذت كما يقال “من كل شيء بطرف”، و هو ما جعلها في نهاية المطاف لا تترك أثرا كبيرا في من تابعها ، بل يمكن القول أن قيس سعيد قد فقد بالكلمة التي ألقاها ما ” كسبه ” صباح نفس اليوم على المستوى الإتصالي من نقاط ، من خلال اهتمامه باوضاع العاملات الفلاحيات و زيارته للمناضلة راضية النصراوي.
في كلمته حاول قيس سعيد أن يرتدي بدلة الأستاذ الجامعي من خلال تقديم معطيات اعتقد أنها غير معلومة عن سياق إصدار مجلة الأحوال الشخصية و عن أهم الكتابات التي دعت إلى تحرير المرأة العربية ، دون أن يحالفه توفيق كبير خاصة و أن الاستنتاجات كانت شبه غائبة و أنه لم يردف قراءته بمواقف أو قرارات.
كما أن كلامه عن سياق اصدار مجلة الأحوال الشخصية والغموض حول التداخل بين الديني والمدني في هوية الدولة خلف تساؤلات ترتقي الى تخوفات خاصة لدى النخب وقطاع واسع من التونسيين.
و قد أغرق رئيس الجمهورية نفسه في هذا الخطاب في محاولة التأكيد على أن تعارضا كبيرا يوجد بين مفهومي المساواة و العدل و بلغ به الأمر في إطار محاولة الاستدلال إلى حد تقديم تساؤل غير مسبوق عن الأسباب التي تجعل قصور العدالة لا تسمى قصور المساواة إذا ما كان للمفهومين نفس المعنى ؟
و لا شك أن رفض رئيس الجمهورية قيس سعيد لمبدأ المساواة في الإرث بين المرأة و الرجل يمثل أهم موقف عبر عنه خلال الكلمة التي ألقاها البارحة، و هو موقف ينسجم إلى حد كبير مع رؤيته المحافظة للعلاقات الإجتماعية ، و لا يمكن إلا أن يلقى قبولا لدى قطاعات واسعة من مسانديه و ” خزانه الإنتخابي “، و لكنه سيثير بكل تأكيد ردود فعل رافضة من الداعين لتكريس المساواة في الإرث في القانون التونسي.
أما الإشارة السياسية الأخرى التي لفتت الانتباه فتتمثل في تنبيه رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى خطورة أن تسيطر الاعتبارات السياسية على مرفق العدالة، و الإشارة تبدو حسب سياق الأسابيع الماضية موجهة بالدرجة الأولى لحركة النهضة التي تشهد العلاقات بينها وبين قصر الجمهورية بقرطاج توترا ملحوظا و متناميا، و تبدو إشارة قيس سعيد هنا رسالة لمناصريه على أنه لن يتراجع عن مواصلة هذه ” المعركة” .
و ما يعكسه خطاب الرئيس البارحة هو وجود ما يشبه العجز الشامل عن ابتكار رؤى و حلول في عدة مجالات من شأنها أن تحدث حلحلة في مقاربة عدة ملفات و أن تحقق إنجازات يحتاج إليها التونسيون و التونسيات، في مرحلة مخاض كبيرة تمر بها البلاد.
Comments