خطاب القسم .. تأكيد "الثوابت" و مراعاة "الواقع "
هشام الحاجي
حافظ رئيس الجمهورية قيس سعيد عند القاء خطاب العهدة الرئاسية على اسلوبه في الالقاء و الحديث و على مقومات رؤيته للأشياء .
الخطاب الذي غاب عنه الارتجال و امتد لقرابة الثلاثين دقيقة تابعه باهتمام بالغ التونسيون و عدد من وسائل الاعلام الاجنبية و هو ما يمثل في حد ذاته مؤشرا على الاهتمام الذي تحظى به التجربة التونسية و الحرص ايضا على تفكيك بعض جوانب “الغموض ” في شخصية الرئيس الجديد.
الذي كسب شعبية لافتة في غفلة من طبقة سياسية انغلقت على نفسها و عجزت عن التقاط عدة رسائل من بينها تلك المتعلقة بصعود شعبية قيس سعيد اللافتة في الاشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية .
و لا شك انه من الصعب توقع تغير جذري في رؤية قيس سعيد و منهجه في ظرف اسبوعين او اقل و هو ما تأكد في خطاب القسم الذي تميزت بدايته بحرص قيس سعيد على الاشادة بالذين انتخبوه بوصفهم قد غيروا مجرى التاريخ و اجبروا القدر على ان يستجيب لا رادتهم التي كانت شعار حملته الذي لم يعكس برنامجا او تعهدات بل دعوة لاسترداد “السلطة ” و العودة الى لحظة “التأسيس ” بكل ما تقدر على تحمله من دلالات و معان.
اي لحظة 14 جانفي 2011 التي اكد قيس سعيد في خطابه انها قد قطعت مع الماضي بما فيه من فساد و محسوبية مشيرا في هذا الصدد الى ان “الماضي لن يعود ” و هو ما يعني التزاما من قيس سعيد بان يكون وفيا للثورة و قيمها و مسارها .
رئيس الجمهورية قيس سعيد جدد التأكيد على علوية القانون و على ضرورة ان يتركها الاحزاب السياسية بمنأى عن سياسات الاحزاب و مناورتها و على انه سيكون صارما في التصدي للفساد و ايضا للإرهاب و هذه الصرامة قد تكون تأثرت في طريقة التعبير عنها بأسلوب قيس سعيد و لكنها تمثل استعادة لتعهدات قطعها كل الرؤساء الذين سبقوه .
المنحى الاخلاقي طغى على مفردات الخطاب اذ تكررت عبارات “الامانة ” و ” الصدق” و “النزاهة ” و نهلت الآية التي اختتم بها قيس سعيد خطابه من لحظة اللقاء في يوم الحساب و هذا الاختيار يمثل سابقة في تاريخ خطب التسلم .
رئيس الدولة حرص على ان يبقي على قنوات التواصل مفتوحة مع الاحزاب السياسية و المنظمات الوطنية و لكن اشارته للأحزاب و المنظمات الوطنية لم يحمل حرارة من شانها ان تنزع بعض الفتور الذي يميز العلاقة بين الطرفين بل ان اشارة قيس سعيد الى خصم اجرة يوم عمل شهريا و على امتداد خمس سنوات قد خلقت ردود فعل رافضة من قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل علاوة على “غضب ” الاعلاميين من تغييبهم عن مراسم الاحتفال.
و هو تغييب لا يتحمل مسؤوليته قيس سعيد و لكن الاعلاميين يعتبرون انه كان من الضروري ان يشير رئيس الجمهورية في خطاب القسم الى الاعلام و الحريات الاعلامية في ظل حملات “الشيطنة ” التي تستهدف الاعلاميين و التي “تورط ” فيها عدد من مناصريه .
قيس سعيد لم يغادر “عالم القيم ” الذي كان اداة عبوره الى قصر قرطاج الى “عالم السياسة ” و تجنب التطرق الى برامج و تصورات لكلنه ادرك انه انتقل من موقع “الحالم و الراغب الذي يريد الى موقع “ماذا يستطيع ان يفعل ” و هذا الانتقال تجلى في بعض “التنازلات ” التي قدمها قيس سعيد في خطابه.
اذ تجنب الحديث عن “اعادة السلطة للمحلي” و لم ينتقد الاحزاب السياسية و حتى عند حديثه عن فلسطين تجنب قيس سعيد الحديث عن التطبيع و تجنب الحديث عن الملفات التي لا يوجد حولها موقف مشترك كسوريا و الموقف من المحاور الاقليمية و حرص على ان يوجه اكثر ما يمكن من رسائل الطمأنة للداخل و الخارج .
الخطاب كان مراوحة بين قيم الثورة و اكراهات الدولة و اندرج في سياق التواصل المؤسساتي و اذا كان قيس سعيد قد نجح في امتحان خطاب العهدة فان تنصيبه رئيسا يجعله امام امتحان اشد عسرا و صعوبة …فهل ينجح …هذا هو السؤال؟
هشام الحاجي
Comments