خطاب ندائي وسطي طموح في مواجهة أوهام "الشعبوية"
بقلم: خالد شوكات*
سيقوم رئيس الجمهورية – كما هو منتظر- بالتوقيع على أمر دعوة الناخبين إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وسيسقط بذلك مخططات المراهنين على خراب العمران الديمقراطي في الماء -ولو مؤقتا-، وسيكون لزاما علينا حينها التفكير بعمق والتدبير في وضح النهار لكيفية مجابهة أحد أهم الأخطار المحدقة بالدولة الوطنية ونظامها الديمقراطي الناشئ، ألا وهو خطر “الشعبوية”، التي أشبهها بالأفعى ذات الرؤوس الثلاثة، الرأس الذي يستثمر في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية و يطرح نفسه “ماما تيريزا”، والرأس الذي يستثمر في الكراهية ويصوّر نفسه “بن علي” قادم، وكذلك الرأس الذي يستثمر في الحقد على الطبقة السياسية ويقدّم ذاته “ترامب” أو “ماكرون”، وسمّ الشعبوية قاتل كسمّ الأفعى تماما، وقد تسبب في قتل تجارب ديمقراطية في دول غنية ذات تقاليد تعددية راسخة فما بالنا بديمقراطيتنا الوليدة التي بدا بناؤها صعبا وشديد التعقيد طيلة السنوات الثماني الماضية، فقد كان مشينا في مسارها كمن يمشي على الحبال يكاد يهوي في كل مرّة الى وادٍ سحيق لتلتهمه كائنات خرافية تترصد في قاع الهوة من يسقط لتمزقه بأنيابها الطويلة وأفواهها التي تنفث نيرانا مستعرة.
إن القوى السياسية الوسطية مدعوَّة من جهة إلى تفهُّم غضب التونسيين، بل استعداد بعضهم للمضيّ في طريق ” التصويت الانتقامي” تعبيرا عن هذا الغضب، لكنها مدعوَّة من جهة اخرى الى التصدّي الجماعي للخطاب الشعبوي، لا مجاراته وتبني أساليبه في احتقار الناخبين والاستهزاء بوعيهم وقابليتهم لتصديق الأوهام المسوّقة والوعود الكاذبة غير القابلة للتطبيق، أو التنافس في شراء أصوات الناخبين بثمن بخس وضرب مصداقية العملية الانتخابية ومن ورائها الإمعان في اضعاف الديمقراطية، أو كذلك العودة بالخطاب الانتخابي الى مربّع الصراع “الهووي” والأيديولوجي القائم على ثنائية “التخوين” و”التكفير”، وهو الخطاب الذي تحنّ اليه أفئدة البعض ويرونه فرس الرهان لتحقيق الربح الانتخابي السريع.
إننا ندعو القوى الوسطية المعتدلة القادرة على تشكيل الأغلبية البرلمانية القادمة والائتلاف الحكومي المقبل، ان تتبنى برامج انتخابية قابلة للتطوير الى برنامج حكم لتونس 2019-2024، وان تتوافق هذه البرامج على المسارات الثلاثة الاساسية التالية:
أولا: استكمال المصالحات التي بقيت مفتوحة دعما للوحدة الوطنية.
ثانيا: استئناف الإصلاحات التي تضمنتها وثيقة المخطط الخماسي 2016-2020 واشارت اليها وثيقة قرطاج الثانية في نقاطها ال63 المتفق عليها.
ثالثا: إطلاق المشاريع الكبرى فدون مطار دولي جديد ودون موانئ للمياه العميقة ودون تعصير وتعميم الشبكة الحديدية ودون عاصمة ادارية واقتصادية ذات ناطحات سحاب تشرئب اليها اعناق الامة ودون عودة القطاع العام للاستثمار في المناطق الداخلية لن نتمكن من ضمان مستقبل الديمقراطية التي تحتاج إلى دولة الرفاه.
ان حركة نداء تونس تشكل ركيزة أساسية في هذه المعركة الرئيسية ضد الشعبوية تماما كما كانت ولا تزال ركيزة في تحقيق التوازن السياسي وضمان توافق الندّية، وستخوض المعركة الانتخابية بهذا الوعي التاريخي تأكيدا لنهج الالتزام والإصلاح ومواصلة في خط الوفاء.
*المدير التنفيذي لحركة نداء تونس
Comments