خطب الجمعة: غلبة التقريع وغياب الروح
الصادق صغيري
رغم غياب عمليات سبر الآراء العلمية لإفادتنا بالنسب المئوية لمدى ارتياح مرتادي المساجد يوم الجمعة ومدى رضاهم عن المادة التي تقدم لهم خلال خطبة الجمعة، فانه بإمكاننا القول ان الأغلبية غير راضين عما يقدم لهم من مادة، وغير راضين عن الأسلوب، وغير راضين عن التوقيت، والأخطر ان الخطب الجمعية لا يكاد تأثيرها يتجاوز عتبة المسجد.
أسبوعيا ونحن نستعد للتنقل الى المسجد لحضور صلاة الجمعة تجد دائما من يسألك هل ان الامام جيد؟ هل ان خطبته طويلة؟ هل ان خطبته مملة؟ اتنقل أسبوعيا بين المساجد ولم أجد ضالتي؟ فما الذي يجعل خطب الجمع التونسية مملة والحضور فيها يكاد يكون شكليا ومن باب اداء واجب الفريضة؟.
يغلب على خطباء الجمعة القاء كلماتهم بالصوت العالي، صوت هو اشبه ما يكون بالصراخ رغم توفر مكبرات الصوت وكل التجهيزات العصرية التي تمكن الجميع من الاستماع وفي أحسن الظروف. والصراخ اول عامل في توتير الاعصاب لان المصلي يحس نفسه وكأنه في معركة او في سوق اسبوعي وليس في رحاب مسجد من اول سماته وصفاته غلبة السكينة والهمس في بيت الله المعظم.
يغلب على خطباء الجمعة الارتجال وعدم التقيد بموضوع محدد، وحتى ان أعلن بعضهم موضوع الخطبة في بداية حديثه فانه لا يلتزم بذلك ويدخل في سلسلة من الاستطرادات واستحضار الأمثلة ما يخرج بها عن الموضوع حتى يصير العنوان الذي اعلن عنه مجرد مدخل لا غير. وتصبح الخطبة لا موضوع لها الا تكديس المواضيع والقضايا ويتشتت ذهن المستمع ولا يوقظه من غفوته الا سماع الصلاة والتسليم على رسول الله، فيتحسس المسكين نفسه ويجمع ما تشتت من الأفكار ليستعد الى الصلاة. .
يغلب على خطباء الجمعة خطاب التقريع، وتحسيس المصلين انهم مقصرون ، وانهم ليسوا في مستوى رسالة الإسلام، مقصرون في تربية الأبناء ومقصرون في رعاية تدين العائلة ومقصرون في القيام بواجب صلة الارحام، ومقصرون في الزكاة والصلاة وكل اركان الإسلام، ومقصرون تجاه فلسطين، ومقصرون تجاه مسلمي بورما، ومقصرين تجاه قضية “الروهينجا”، ويظل الامام يعدد جوانب التقصير ويظل المصلي مطأطأ راسه لا حول له ولا قوة.
مصلون قدموا بحثا عن شحن أنفسهم وارواحهم بنفحات ايمانية تشد عضدهم في معركة الحياة اليومية ليزدادوا صبرا وعزما على المضي في أداء واجباتهم، وبحثا عن غسل ارواحهم مما شابها من ادران الدنيا وهمومها وشهواتها يجدون انفسهم امام خطاب تقريعي يحملهم كل المصائب التي تعيشها امة العرب والإسلام.
ويخرج الكثير من المصلين يحملون بين جنباتهم شعورا بالعجز والتيه اكثر مما دخلوا به لان سيادة الشيخ الخطيب لم يقدم للحضور الكريم وسائل تعينهم على تحقيق ما دعاهم اليه، يقرعهم حول موضوع النظافة ولا يعلمهم عن مناشط تتعلق بالنظافة يمكن ان يساهموا فيها، ويقرعهم حول أبنائهم ولا يفيدهم بأساليب رعاية الأطفال كالمرافقة الدراسية وحضور جلسات التقييم بمعاهدهم او مرافقتهم الى دور الثقافة والشباب والمنتزهات العامة، وغير ذلك كثير. اغلب الائمة يثيرون المشكل ولا يردفونه بالحلول التي تفتح افقا امام المصلي ومرتادي خطب الجمعة.
ونختم بالإشارة الى ان روح التدين هو المحبة والترفق والرفق واكرام الذات الإنسانية، روح التدين جبر الخاطر وفتح أبواب الامل في الحياة وفي المستقبل. روح التدين الرحمة وما كانت بعثة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في قومه إلا رحمةً لهم وللعالَمين أجمعين، قال تعالى “وَمَا أَرسلناكَ إلّا رحمةً للعالَمين” فهل تحقق خطب الجمعة معاني الرحمة بالمصلين، معاني اتساع الصدر والعاطفة الجياشة، هل تحقق إشاعة ثقافة الرأفة والترفق واللين مع الانسان كائنا من كان. مازال امام ائمتنا مشوار طويل لتكون لخطب الجمعة الأثر المأمول.
Comments